43/08/22
الموضوع: - التنبيه الرابع من تنبيهات الاستصحاب ( الاستصحاب في الموضوعات المركبة ) - مبحث الاستصحاب - الأصول العملية.
التنبيه الرابع من تنبيهات الاستصحاب: - الاستصحاب في الموضوعات المركّبة.
موضوع الاستصحاب تارةً يكون بسيطاً، وأخرى يكون مركباً.
أما إذا كان بسيطاً: - فلا يوجد فيه كلام مهم، كما لو فرض أنَّ شخصاً نذر أنه لو ولِدَ له ولدٌ ذكر فسوف يتصدَّق بكذا، وشك في تحقق الولادة - كما لو كان في بلدٍ بعيد ولا يعلم بولادة زوجته أو لا - فهنا يستصحب عدم تحقق ولادة الولد الذكر سواء كان شكه في أصل الولادة أو أنَّ زوجته ولدت جزماً ولكن لا يدي هل هو ذكر أو انثى فيستصحب عدم تحقق ولادة الذكر. فإذاً الموضوع إذا كان بسيطاً يجري فيه استصحاب عدم تحققه من دون كلام ولا إشكال.
ولكن ينبغي الالتفات إلى أنَّ استصحاب عدم تحقق الولادة لا يثبت به تأخر الولادة فيما لو فرض وجود أثرٍ لتأخر الولادة، فإنَّ ذلك العنوان - وهو التأخر - لا يثبت إلا على الأصل المثبت، فإنَّ استصحاب عدم الولادة إلى هذا اليوم وإلى غدٍ وإلى ما بعد غدٍ لازمه أنَّ الولادة قد تأخرت، فالتأخر لازمٌ وجوديٌ غير شرعي لعدم تحقق الولادة في الزمن المتقدّم. فإذاً إذا كان الموضوع بسيطاً فحينئذٍ يمكن اجراء الأصل لنفيه من دون إشكال، ولكن لا يثبت بذلك تأخره لو فرض أنَّ لتأخره أثراً إلا بناءً على حجية الأصل المثبت.
وأما إذا كان الموضوع أمراً مركباً من أمورٍ متعددة: - فتارةً يكون الأثر منصبّاً على ذوات الأجزاء - ذوات الأمور - وأخرى يكون منصبّاً على عنوانٍ آخر كعنوان الاقتران والاجتماع في زمانٍ واحد.
فإن كان منصبّاً على عنوانٍ آخر كعنوان الاقتران والاجتماع في زمانٍ واحدٍ فنقول: - إذا كان الأثر منصبّاً على عنوانٍ كعنوان الاقتران فباستصحاب عدم تحقق هذا إلى الزمان المتأخر المعيّن كيوم الجمعة واستصحاب عدم تحقق الثاني إلى يوم الجمعة واستصحاب عدم تحقق الثالث إلى يوم الجمعة لا يثبت بذلك عنوان الاقتران فإنَّه وصفٌ وجوديٌ والاستصحاب جرى في عدم تحقق هذا الأول إلى يوم الجمعة، فغاية ما يثبت هو أنَّ الأول لم يتحقق إلى يوم الجمعة والثاني لم يتحقق إلى يوم الجمعة ... وهكذا، أما أنها اقترنت وتحقق حدوثها في يوم الجمعة بنحو الاقتران فيما لو كان هناك أثرٌ لوصف الاقتران فلا يثبت ذلك، فإنَّ وصف الاقتران لازمٌ عقليٌ لعدم تحقق الأول إلى يوم الجمعة وعدم تحقق الثاني إلى يوم الجمعة ... وهكذا، وهذا مطلبٌ واضح.
بل يمكن أن نضيف اضافة نقول: - ليس هو لا يثبت عنوان الاقتران فقط بل يمكن أن ننفي عنوان الاقتران ونقول إنَّ وصف الاقتران لم يكن متحققاً سابقاً والآن نشك في تحققه فننفيه.
فإذاً استصحاب عدم تحقق الأول الثاني والثالث إلى يوم الجمعة ليس هو لا يثبت الاقتران فقط بل يمكن نفي الاقتران من خلال الأصل، فإنَّ الاقتران لم يكن ثباتاً سابقاً ونشك في تحققه يوم الجمع فننفيه بالأصل.
فإذاً حتى لو قلنا بجريان استصحاب عدم الحدوث إلى يوم الجمعة في كل واحدٍ ولكن في نفس الوقت هو لا يثبت الاقتران، ولكن بقطع النظر عن ذلك وكونه أصلاً مثبتاً نقول هو معارضٌ باستصحاب عدم تحقق هذا الوصف، فإنه وصفٌ مشكوكٌ مسبوقٌ بالعدم ويُشَكُّ في تبدّله إلى الوجود فيستصحب عدمه، وهذا مطلبٌ واضح.
وإنما وقع الكلام بين الأصوليين فيما إذا كان الأثر منصباً على ذوات الأجزاء في زمنٍ واحدٍ ولكن من دون أخذ وصف الاقتران في موضوع الحكم فهل يمكن اجراء الاستصحاب لإثبات النتيجة المطلوبة:- ومثال ذلك ما إذا كان يوجد عندنا ماء كان سابقاً أقل من كرّ ثم بعد ذلك في يوم الجمعة صار كراً ولاقته النجاسة ولكن لا ندري هل لاقته قبل يوم الجمعة حتى يكون متنجّساً أو لاقته يوم الجمعة حتى يكون طاهراً، ففي مثل هذه الحالة هل يمكن أن نجري استصحاب عدم ملاقاة النجاسة لهذا الماء في فترة عدم الكرية فنستصحب عدم الملاقاة في جميع أزمنة عدم الكرية ليثبت بذلك أنه ليس بمتنجّس أولا ؟، هذا هو المورد الذي وقع محلاً للكلام، ويصير العنوان الكلّي له هو أنه إذا كان لدينا موضوعٌ لحكمٍ مركّب من جزأين وأحد الجزأين محرزٌ بالوجدان وهو الكرية الثابتة يوم الجمعة - لأننا نعلم أنَّ عدم الكرية مستمر إلى يوم الجمعة والكرية حدثت يوم الجمعة وهذا نعلم به علماً وجدايناً ولكن لا ندري أنَّ الملاقاة حدثت قبل الجمعة أو بعد يوم الجمعة - والثاني وهو الملاقاة حيث نشك في تحققها قبل يوم الجمعة فهل يجري استصحاب عدم الملاقاة إلى حين تحقق الكرية حتى تكون النتيجة هي بقاء هذا الماء على الطهارة وإذا كانت توجد ملاقاة فهي متحققة بعد تحقق الكرية؟ المعروف بين الأصوليين هو جريان استصحاب عدم الملاقاة إلى حين تحقق الكرية.
ومن أمثلة ذلك ما إذا فرض أنَّ شخصاً دخل في الجماعة وشك هل رفع الامام رأسه من الركوع قبل أن يكبّر هو أو لا، بمعنى أنه كبّر في دقيقة معيّنة ولكن هل رفع الامام رأسه أو لا، فهل يمكن استصحاب عدم رفع الامام رأسه إلى حين تكبيره أو أنَّ هذا الاستصحاب لا يجري؟، ونحن نقتصر على المثال الأول وهو استصحاب عدم الملاقاة إلى حين تحقق الكرية كي لا يحصل التشويش، يعني في زمان القلّة لم تتحقق الملاقاة وتكون النتيجة هي الطهارة، فإنَّ المعروف بين الأصحاب ذلك، ولم نطّلع على مخالف لذلك سوى الحاج ميرزا علي الايرواني في رسالته ( الذهب المسكوك في اللباس المشكوك )[1] حيث قال إنه في الموضوعات المركّبة استصحاب عدم الجزأين لا يجري إلى حين تحقق الجزء الآخر.
وفي هذا المجال قد تذكر ثلاثة وجوه لإثبات عدم جريان هذا الاستصحاب أي استصحاب عدم الكرية إلى حين الملاقاة: -
الوجه الأول:- ما أفاده الشيخ النائيني(قده)[2] .