43/08/08
الموضوع: - تنبيهات الأصل المثبت، التنبيه الثالث ( الاصل المثبت ) - تنبيهات الاستصحاب - مبحث الاستصحاب - الأصول العملية.
أما ما أفاده العلمان فيمكن أن يقال في مناقشته:- إنَّ الأمر لا ينحصر بالشقين الأولين، بل هناك شق ثالث[1] ، وهو أنَّ الشيخ الأعظم(قده) يريد أن يقول إنه في موارد الواسطة الخفيَّة يجري الاستصحاب من باب أنَّ الوارد في الدليل هو النهي عن النقض، وفي موردنا يصدق النقض مادامت الواسطة خفيَّة، فيستصحب بقاء الرطوبة ويحكم بالتنجّس، لأنه لو لم يحكم بالتنجّس يصدق نقض اليقين بالشك باعتبار أنَّ الواسطة خفيَّة في نظرهم، وخفاء الواسطة يصحح صدق النقض.
وعلى هذا الأساس ينبغي أن يكون البحث والكلام في الصغرى، وهي أنه في مورد وجود الواسطة الخفيَّة هل يصدق النقض أو لا يصدق النقض إذا لم يحكم ببقاء الحالة السابقة وهي الرطوبة؟ فإن قلنا يصدق النقض جرى الاستصحاب، وإن قلنا لا يصدق النقض فلا يجري الاستصحاب.
فإذاً الشيخ الأعظم(قده) يريد أن يدّعي أنَّ الواسطة مادامت خفيَّة فالنقض يكون صادقاً، وإذا أردنا أن نناقشه فلابد وأن نناقشه في الصغرى فيقال إنَّ النقض لا يصدق مادام توجد واسطة ولو خفيَّة بنظر العرف، لا أن يناقش بما ذكره العلمان، وعليه فيكون ما أفاده الشيخ الأعظم(قده) تاماً لو كان مقصوده أنَّ النقض صادقٌ مادامت الواسطة خفيَّة، وإذا أريد أن يناقش فيقال له مادام توجد واسطة ولو خفيَّة فالنقض لا يصدق، وإذا شككنا في صدق النقض فلا يجوز التمسك بعموم ( لا تنقض اليقين بالشك ) لأنه من التمسك بالعام في الشبهة المصداقية، ولعله توجد في كلمات الشيخ الخراساني(قده) بعض التلميح لهذا حيث قال:- ( فإنَّ عدم ترتيب مثل هذا الأثر عليه يكون نقضاً ليقينه بالشك ايضاً بحسب ما يفهم من النهي عن نقضه عرفاً )[2] .
وأما بالنسبة إلى ما افاده الشيخ الخراساني(قده)[3] فنقول: - إنَّ ما ذكره شيءٌ وجيه، فإنَّ التعبّد ببقاء أحدهما يلازم عرفاً التعبّد ببقاء الآخر، ولكن هناك طريقٌ آخر أيسر من الطريق الذي سلكه، وهو أن يقال:- إنَّ التعبّد بالعلَّة إنما يكون صحيحاً فيما إذا كانت العلَّة ثابتة سابقاً بنحو الجزم واليقين ثم شك في بقائها فيتعبَّد ببقائها طبقاً لقاعدة ( لا تنقض اليقين بالشك )، وهو قال إنَّ هذا يلازم التعبّد ببقاء المعلول فيجري استصحاب بقاء العلَّة ويثبت بذلك بقاء العلَّة ومن ثم التعبَّد ببقاء المعلول، ونحن نقول:- إذا كانت العلَّة متيقنة سابقاً فجزماً المعلول متيقنٌ إلى جنبها، فالاستصحاب يجري في بقاء المعلول من دون الحاجة إلى أن نستصحب العلَّة فيثبت بقاء المعلول، وهكذا الأبوَّة والبنوَّة، فنحن إذا استصحبنا الأبوَّة حتى يثبت بقاء البنوَّة هو تطويل للمسافة من دون حاجةٍ إلى ذلك، فإنه إذا كانت الأبوَّة ثابتة سابقاً بنحو الجزم وأريد استصحابها فجزماً يوجد إلى جنبها البنوّة، فيجري الاستصحاب في البنوّة كما يجري في الأبوّة من دون حاجةٍ إلى استصحاب الأبوَّة لإثبات البنوّة أو بالعكس، وهكذا في العلَّة والمعلول، فإنه إذا كانت العلَّة ثابتة سابقاً فلا حاجة لاستصحابها لإثبات المعلول، بل إذا كانت العلّة ثابتة سابقاً فالمعلول جزماً هو ثابت إلى جنبها، فكما يجري الاستصحاب في نفس العلَّة كذلك يجري في نفس المعلول أيضاً من دون حاجةٍ إلى استصحاب أحدهما واثبات الآخر بالملازمة فإنَّ هذا تطويلٌ لا حاجة إليه.
الثامن: - هناك فروع ذكرت في الأبواب الفقهية يمكن أن يقال هي تتم بناءً على حجية الأصل المثبت، وسنلاحظ بعض هذه الفروع لأجل النكات العلمية التي يمكن أن تذكر فيها.
الفرع الأول: - ما أشرنا ليه قبل قليل، وهو أنَّ البعض يستصحب بقاء الرطوبة في رجل الذبابة مثلاً ليثبت بذلك تنجّس الجسم الذي وقفت عليه، والحال أنَّه ربما يقال إنَّ هذا من الأصل المثبت، فإنَّ التنجّيس من آثار السراية وليس من آثار بقاء الرطوبة على رجل الذبابة.