43/08/05
الموضوع: - تنبيهات الأصل المثبت، التنبيه الثالث ( الاصل المثبت ) - تنبيهات الاستصحاب - مبحث الاستصحاب - الأصول العملية.
ثم إنَّ الشيخ الخراساني(قده) ذكر مورداً آخر غير ما ذكره الشيخ الأعظم(قده) حيث قال:- إنَّ الأصل المثبت يمكن أن يكون حجَّة فيما إذا لم يمكن التفكيك بين الواسطة وبين ذيها في مقام التعبّد عرفاً، من قبيل العلَّة والمعلول، ومن قبيل المتضايفين كالأبوَّة والبنوَّة، فإنه في باب العلَّة والمعلول إذا استصحبنا بقاء العلَّة نقول ثبت إذاً المعلول، والحال أنه قد يقال إنَّ هذا أصلٌ مثبتٌ لأنَّ المستصحَب هو بقاء العلَّة ولكن لازمه العقلي هو بقاء المعلول، بيد أنَّ العرف يرى استحالة التفكيك بينهما، فكما في عالم الوجود الخارجي لا يمكن التفكيك بين تحقق العلَّة وتحقق المعلول يرى أيضاً استحالة التفكيك بينهما في مقام التعبّد، فمن عبّدني بالعلَّة عبّدني بالمعلول أيضاً، ومن عبّدني بالمعلول عبّدني بالعلَّة، فعرفاً التفكيك في مقام التعبّد مرفوضٌ بسبب ما بينهما من التلازم، وهكذا بالنسبة إلى الأبوة والبنوّة، فإذا عبّدني الشرع بأنّ هذا الشخص أبٌ لذاك الشخص فقد عبّدني بأنَّ الشخص الثاني هو ابنٌ للأول، والعرف يرفض التعبّد بأحدهما من دون التعبّد بالآخر فإنَّ التفكيك بينهما في مقام التعبَّد كالتفكيك بينهما في عالم الخارج، وهل يمكن في الخارج وجود علَّة من دون معلول أو وجود معلولٍ من دون علَّة، أو وجود أبٍ من دون ابنٍ - إذا كان هذا الشخص أبٌ لهذا الابن - ؟!! إنه كما لا يمكن التفكيك بينهما خارجاً لا يمكن التفكيك بينهما في عالم التعبّد أيضاً.
نعود إلى ما أفاده الشيخ الأعظم(قده) ونقول:- إن الشيخ الأعظم(قده) لم يذكر نكتةً وتوجيهاً لحجية الأصل المثبت في المورد الذي ذكره - وهو حالة خفاء الواسطة - فهو قال هنا يجري الاستصحاب رغم أنَّ الأثر ثابت للواسطة وليس لذي الواسطة، ولكن يمكن أن نقول:- يمكن أن تكون النكتة هي أنه إذا كانت الواسطة خفيَّة فالنقض المنهي عنه في روايات الاستصحاب يكون صادقاً إذا أجرينا الاستصحاب في أحد الطرفين ولم نجرِهِ في الطرف الثاني، فإذا استصحبنا بقاء الرطوبة في رجل الذبابة ولم نحكم بتحقق تنجّس المكان الذي وقفت عليه الذبابة فلابد أن يدّعي الشيخ الأعظم(قده) هنا أنه سوف يصدق عرفاً عنوان النقض، فأنت نقضت اليقين بالشك، لأنه بالتالي أنت يوجد عندك يقينٌ بأنَّ رجل الذبابة كانت رطبة سابقاً فإذا لم تحكم الآن بأنها رطبة وقد تنجّس المكان الذي وقعت عليه صدق عنوان النقض، فإذاً لابد أن يكون مدركه هو هذا ولكنه لعله لم يذكره لوضوحه، وهذه قضية جانبية.
وقد ناقش الشيخ النائيني(قده)[1] والسيد الخوئي(قده)[2] الشيخ الأعظم(قده) وقالا:- ما المقصود من خفاء الواسطة، فهل المقصود من ذلك أنَّ الأثر عرفاً منتسب إلى ذي الواسطة حقيقةً بنظرهم ويجرون الاستصحاب؟ فإن كان هذا هو المقصود فهذا معناه أنَّ الواسطة مفقودة في البين، إذ الأثر ثابت لذي الواسطة وليس للواسطة، فإذاً الأثر بالاستصحاب سوف يترتب على ذي الواسطة من دون إشكالٍ لفرض أنه لا يوجد أثر للواسطة بل الأثر ثابت لذي الواسطة، وهذا خروجٌ عن محل الكلام فإنَّ محل كلامنا هو فيما إذا كان الأثر هو للواسطة وباستصحابها تُرتَّب الآثار على ذي الواسطة، كما في مثال استصحاب بقاء الرطوبة على رجل الذبابة فإنَّ الأثر - وهو التنجّس - نقول هو مترتب على السراية، فإذا قلنا هو مترتّبٌ على السراية فإذاً الواسطة - وهي أنَّ رجل الذبابة قد تنجست وكانت رطبة والآن نستصحب رطوبتها - لا مدخلية لها، وإنما المدار على ثبوت الأثر لذي الواسطة، فلا يكون المورد من الأصل المثبت أبداً وهو خارج عن محل الكلام.
وأما إذا كان مقصودهم أنَّ الأثر ثابت حقيقةً للواسطة ولكن مسامحةً ينسب إلى ذي الواسطة، فيردّه: - إنَّ العرف مرجعٌ في فهم الدليل وتعيين المقصود منه وأن الأثر ثبات للواسطة أو لذي الواسطة وليس مرجعاً في تسامحاته فهي غير مقبولة ولا عبرة بها.