43/08/04
الموضوع: - تنبيهات الأصل المثبت، التنبيه الثالث ( الاصل المثبت ) - تنبيهات الاستصحاب - مبحث الاستصحاب - الأصول العملية.
السابع: - موارد مستثناة من عدم حجية الأصل المثبت.
ذكر الشيخ الأعظم(قده)[1] أنه قد يستثنى من عدم حجية الأصل المثبت ما إذا كانت الواسطة خفيَّةً على العرف، بمعنى أنَّ الأثر الشرعي هو منسوب إلى الواسطة حقيقةً وليس لذي الواسطة بيد أنَّ العرف تخفى عليه هذه الواسطة فينسب الأثر إلى ذي الواسطة والحال أنه منتسب حقيقةً إلى الواسطة دون ذيها، ففي مثل هذا المورد يكون الأصل أصلاً مثبتاً ولكن رغم كونه كذلك يمكن أن يقال هو مستثنى من عدم حجية الأصل المثبت - أي يكون حجة -، وقد مثّل لذلك بمثالين:-
المثال الأول: - لو فرض أنَّ ذبابةً وقفت على بولٍ ثم جاءت ووقفت على ثوبي وأنا أشك هل رجل الذبابة فيها رطوبة أو ليس فيها رطوبة، فإن كانت فيها رطوبة فثوبي قد تنجَّس، وإن لم تكن فيها رطوبة فثوبي طاهر، هنا قد تستصحب الرطوبة، لأنَّ رجل الذبابة كانت رطبةً حينما وقفت على النجاسة ولكن بعد أن طارت في الهواء احتمل أنها جفّت فطهرت[2] ، ولكن الشيخ الأعظم(قده) لم يقبل بهذا، والوجه في ذلك أنه قال:- إنَّ تنجّس الثوب ليس أثراً لوجود الرطوبة على رجل الذبابة وإنما هو أثرٌ لواسطةٍ موجودةٍ في البين وهي سراية الرطوبة إلى الثوب، وإلا فمجرد الرطوبة هي لا تنجَّس وإنما سراية الرطوبة إلى الثوب تكون هي المنجسّة له، فاستصحاب بقاء الرطوبة لا ينفع لأنَّ تنجّس الثوب من آثار سراية الرطوبة وليس من آثار نفس بقاء الرطوبة في رجل الذبابة، وعليه فاستصحاب بقاء الرطوبة يصير أصلاً مثبتاً لوجود واسطة في البين، بيد أنَّ العرف يرى أنَّ التنجَّس هو من آثار الرطوبة وليس من آثار السراية، فإذا كان من آثار الرطوبة فحيث إنَّ بقاء الرطوبة ثابت بالاستصحاب فسوف يثبت تنجّس الثوب، وهذه الواسطة لا يؤثر وجودها وتوسطها بعد أن كانت خفيَّة بحيث لو لم نحكم بتنجّس الثوب رغم جريان استصحاب بقاء الرطوبة في رجل الذبابة التي لاقت العباءة يقال إنَّ هذا المكلف قد نقض اليقين بالشك والحال أنه لا يجوز نقض اليقين بالشك، فإذاً الاستصحاب جارٍ، فالواسطة في البين خفيّة عند العرف وينسب التنجّس إلى بقاء الرطوبة وحيث إنَّ بقاء الرطوبة ثابتٌ بالاستصحاب فالتنجس سوف يكون ثابتاً، وبالتالي يكون الأصل حجة في هذا المورد.
المثال الثاني: - لو شككنا في أنَّ هذا اليوم هو أوّل الشهر أو ليس أوله، فيحتمل أن يكون هو اليوم الثلاثين من الشهر الجاري ويحتمل أن يكون هو اليوم الأول من الشهر التالي، ففي مثل هذه الحالة قد يقال نستصحب بقاء الشهر السابق - وهو شهر رجب مثلاً - فيثبت بذلك أنَّ هذا اليوم المشكوك هو من رجب، وبالتالي هو ليس من شعبان وإنما أوّل شعبان هو اليوم الذي بعده، فباستصحاب بقاء رجب إلى اليوم المشكوك يثبت أنَّ أول شعبان هو يوم غد، هكذا قد يقال، والحال أنه في هذا المورد توجد واسطة في البين، لأنَّ لازم بقاء شهر رجب إلى اليوم المشكوك أنه غير أوّل الشهر وإلا فلا يوجد عندنا دليل شرعي يقول ( إذا كان الشهر باقياً إلى هذا اليوم المشكوك فإذاً يوم غد هو اليوم الأول من الشهر التالي )، فأوّلية غدٍ لا تثبت باستصحاب بقاء شهر رجب إلى اليوم المشكوك، وإنما الأولية هي عبارة عن عدم السبق بمثله، فإنَّ أول الشهر هو الذي لا يكون مسبوقاً بمثله، فحينما نقول غداً هو أوّل الشهر هذا يعني أنه لابد وأن لا يكون مسبوقاً بمثله، يعني إذا كان غد هو أول شهر شعبان فاليوم ليس هو من شعبان، فعلى هذا الأساس أولية الشهر هي عدم السبق بمثله، وليس أولية الشهر – أي أولية غدٍ لشعبان - عبارة عن بقاء رجب إلى هذا اليوم، فإذا لم تكن من آثار بقاء رجب إلى هذا اليوم المشكوك فاستصحاب بقاء رجب إلى هذا اليوم يكون من قبيل الأصل المثبت إذا أردنا أن نثبت أولية غدٍ من شعبان، فإنَّ الأولية ليست عبارة عن بقاء شعبان إلى هذا اليوم المشكوك بل على عدم سبقه لمثله، ولازم بقاء رجب إلى هذا اليوم المشكوك هو أنَّ غداً ليس مسبوقاً بمثله بل هو مسبوق بغير مثله - أي هو مسبوق بشعبان وليس مسبوقاً برجب -، فاستصحاب بقاء شعبان إلى هذا اليوم المشكوك لا يثبت أولية غدٍ من شعبان، فإنَّ أولية الشهر عبارة عن عدم السبق بمثله وليس عبارة عن بقاء الشهر السابق إلى اليوم المشكوك، نعم لازم استصحاب بقاء رجب إلى هذا المشكوك أنَّ غداً ليس مسبوقاً بمثله فيكون غد هو أوّل شعبان، وهذا هو الأصل المثبت، بيد أنه لخفاء هذه الواسطة في نظر العرف ينسب العرف أوّلية شهر شعبان إلى بقاء شهر رجب إلى هذا اليوم المشكوك، فيمكن أن يقال إنَّ هذا الأصل حجّة رغم كونه مثبتاً لخفاء الواسطة بالنظر العرفي.