الأستاذ الشيخ باقر الايرواني

بحث الأصول

43/08/01

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع: - تنبيهات الأصل المثبت، التنبيه الثالث ( الأصل المثبت ) - تنبيهات الاستصحاب - مبحث الاستصحاب - الأصول العملية.

الخامس: - إنَّ الأصل المثبت لم نقل بحجيته، وسبب ذلك هو قصور الدليل على حجيته، لأنَّ دليل حجية الاستصحاب ناظر إلى الآثار الشرعية، وإذا شككنا أنه ناظر إلى الآثار الشرعية في طول السلسلة أو الآثار الشرعية ولو المترتبة على أثرٍ غير شرعي - أي عقلي - فالقدر المتيقن هو أن تكون الآثار كلّها شرعية على طول السلسلة.

ولكن نستدرك ونقول: - إنَّ هذا لا يمنع من القول بحجيته في موردٍ خاصٍ إذا دلَّ الدليل عليه في ذلك المورد الخاص، فنلتزم به حينئذٍ من دون محذور، وهذه قضية يجدر الالتفات إليها، ومثال ذلك أنه ورد في صحيحة زرارة الثالثة أنه لو شك المكلف بين الثالثة والرابعة فهنا قال الامام عليه السلام:- ( وإذا لم يدرِ في ثلاث هو أو في أربع وقد أحرز الثلاث قام فأضاف إليها ركعة أخرى ولا شيء عليه ولا ينقض اليقين بالشك )، فالإمام عليه السلام قد طبّق الاستصحاب هنا وقال حيث يشك المكلف في أنَّ ما بيده ثالثة أو رابعة فنقول الثالثة محرزة والرابعة مشكوكة ولا تنقض اليقين بالشك فيلزم الاتيان بالرابعة، ولكن السؤال:- إنه بعد أتى المكلف بالركعة المشكوكة والتي هي الرابعة باعتقادنا يلزم أن يأتي بالتشهد والتسليم فيها، والحال أنَّ التشهد والتسليم يلزم الاتيان بهما في الركعة الرابعة، والاستصحاب لا يقول هذه الركعة التي أتيت بها هي رابعة إنما يقول لو شككت فأتٍ بركعةٍ أخرى طبقاً لقاعدة لا تنقض اليقين بالشك أما أنها معنونة بعنوان الرابعة فهو لا يقول ذلك وإنما هو ساكت عنها، ومعه فلا يحرز أن تكون هذه الركعة رابعة إلا بالأصل المثبت، وبالتالي لا يمكن الاتيان بالتشهد والتسليم فيها، لأنَّ التشهد والتسليم يلزم الاتيان به في الركعة الرابعة ونحن حينما أتينا بالتشهد والتسليم فيها لا نحرز أنه قد أتي بهما في الركعة الرابعة، فإنه لا يوجد دليل شرعي يقول إذا شككت بين الثالثة والرابعة فأتِ بالركعة المشكوكة ويكون التشهد والتسليم واقعاً في الركعة الرابعة، وإنما نحن تأتي بالرابعة طبقاً للاستصحاب ونأتي بالتشهد والتسليم ونقول إذاً وقع التشهد والتسليم في الركعة الرابعة، وهذا لازم عقلي غير شرعي، فالاتيان بالتشهد والتسليم في هذه الركعة لا يحرز كونه في الرابعة إلا بالأصل المثبت، وهذا قد يسجَّل كإشكالٍ على المورد.

وقد تضح الجواب عنه ذلك: - وهو أنَّ الالتزام بحجية الأصل المثبت في موردٍ إذا دلَّ الدليل عليه في ذلك المورد ليس شيئاً مستحيلاً وباطلاً، بل ولا محذور فيه، فإنَّ مدرك عدم حجية المثبت هو قصور الدليل - كما قلنا - فإذا عبّدنا الشارع في موردٍ خاص بما تكون نتيجته نتيجة الأصل المثبت فلا مانع من الالتزام به. فإذاً لا يسجَّل هذا كإشكال على الرواية.

السادس: - ذكر الشيخ كاشف الغطاء(قده) ووافقه على ذلك صاحب الفصول(قده) أنه يمكن أن يقال إنّ الأصل المثبت ليس بحجة لوجهين وليس لوجهٍ واحد، وقد نقل الشيخ الأعظم(قده) ذلك في الرسائل[1] ، وتوضيح ذلك:- إنَّ الوجه في عدم حجية الأصل المثبت - كما ذكرنا - هو قصور الأدلة عن اثبات الآثار الشرعية المرتبة على وسائط غير شرعية، والشيخ جعفر كاشف الغطاء(قده) قال إنَّ هذا صحيح ولا مناقشة فيه لكن يمكن أن نضيف وجهاً آخر، وذلك بأن يقال:- إنه يجري الاستصحاب المعارض لذلك الأمر الذي يراد ترتيبه، ومثال ذلك ما لو فرض أنه كان هناك حيوان كالكلب وكان جسمه رطباً وبعد فترة وضعنا يدنا على جسمه فشككنا هل جسمه رطباً الآن أو لا، ففي مثل هذه الحالة قد يقال نستصحب بقاء الرطوبة وبالتالي سوف يثبت أنَّ اليد قد لاقت جسم الكلب وهو رطب فتصير متنجّسةً، وهذا أصلٌ مثبت كما هو واضح، فإنَّ الاستصحاب يقول أعبّدُكَ ببقاء الرطوبة أما أنَّ اليد قد تنجست فهو لا يقول بذلك وإنما هو لازم عقلي لبقاء الرطوبة - يعني إذا كان الرطوبة باقية فإذاً اليد لاقت الرطوبة المتنجسة فتنجست - وليس شرعياً، وعلى هذا الأساس لا يمكن اثبات نجاسة اليد لقصور الدليل، ولكن يوجد أصلٌ آخر يجري فيعارض استصحاب تنجّس اليد وينفيه، فتنجّس اليد لم يثبت لقصور الدليل لفرض أنَّ تنجّس اليد مبنيٌّ على الأصل المثبت وهو ليس بحجة، وفي نفس الوقت يوجد نافٍ آخر لتنجس اليد غير مسألة قصور الدليل وهو أنَّ اليد كانت طاهرة ونشك في تنجّسها فنستصحب طهارتها السابقة، فيكون استصحاب الطهارة معارضاً لذلك الاستصحاب المثبت - الذي هو استصحاب بقاء الرطوبة على اليد ومن ثم الحكم بتنجس اليد -، وهذه قضية سيّالة في كل أصلٍ مثبت، فإنه يوجد أصلٌ ثانٍ يعارضه دائماً.

ونذكر مثالاً آخر لذلك: - وهو استصحاب حياة الولد لإثبات نبات لحيته – إذا كان الأب قد نذر أنه إذا نبتت لحية ولدي فسوف أتصدق بكذا - فحينئذٍ تستصحب حياة الولد ويثبت بذلك نبات لحيته.

ولكن يرد على هذا: - إنَّ هذا أصلٌ مثبت والروايات لا تدل على حجية الأصل المثبت، ولكن الشيخ جعفر كاشف الغطاء(قده) يقول: - إنه بقطع النظر عن قصور الروايات عن اثبات ذلك ولكن يوجد عندنا أصلٌ ثانٍ يعارض هذا الأصل، وهو أنَّ هذا الولد لم تكن لحيته نابتة سابقاً ونشك في نباتها بعد ذلك فنستصحب عدم نبات لحيته سابقاً.


[1] فرائد الأصول، الأنصاري، ج3، ص236.