43/07/20
الموضوع: - تنبيهات الأصل المثبت، التنبيه الثالث ( الأصل المثبت ) - تنبيهات الاستصحاب - مبحث الاستصحاب - الأصول العملية.
وأما مثال الثاني وهو أنَّ الأثر يترتب على الوجود الواقعي فقط دون الأعم من الواقعي والظاهري:- فهو أن نستصحب بقاء وجوب صلاة الجمعة كي نثبت سقوط وجوب صلاة الظهر يوم الجمعة، فنحن لا نثبت وجوب اطاعة وجوب الجمعة وإنما نثبت سقوط وجوب صلاة الظهر، ومن المعلوم أنَّ سقوط الوجوب لصلاة الظهر مترتب على الوجوب الواقعي لصلاة الجمعة والمفروض أنَّ الوجوب الواقعي لم يثبت، نعم إذا علمنا جزماً بالوجوب الواقعي فهنا يسقط وجوب الظهر، أما إذا لم نعلم به فباستصحاب بقاء وجوب الجمعة لا يمكن اثبات سقوط وجوب صلاة الظهر فإنه أثرٌ لبقاء وجوب الجمعة واقعاً لا الأعم من بقاء وجوب الجمعة واقعاً أو ظاهراً.
فإذاً يوجد فرقٌ بين الآثار.
الثالث: - إنَّ في المقصود من حديث ( لا تنقض اليقين بالشك ) احتمالات ثلاثة – كما ذكر الأصوليون -.
الاحتمال الأول: - أن يكون المقصود النهي عن النقض عملاً، يعني في مقام العمل رتّب آثار بقاء اليقين رغم أنَّ الموجود عندك هو الشك ولكن في مقام العمل لا تنقض اليقين وإنما رتّب آثار اليقين، كما لو توضأت صباحاً ثم شككت هل وضوئي باقٍ حتى أصلي به صلاة الظهر أو لا فـ( لا تنقض اليقين بالشك ) يقول إنَّ آثار اليقين بالبقاء لا تنقضها بالشك، ومن آثار اليقين بالبقاء هو أني سوف أدخل في صلاة الظهر من دون حاجةٍ إلى وضوء جديد، فالمقصود هو النهي عن النقض في مقام العمل، وليس من البعيد أنه هو الاحتمال الظاهر.
الاحتمال الثاني: - أن يكون المقصود هو جعل العلمية حالة الشك، ولكن هذا يحتاج إلى كون الشخص أصولياً بدرجةٍ عالية حيث يقول إنَّ المستفاد من ( لا تنقض اليقين بالشك ) هو أنك أيها الشاك عالم بالبقاء، فالحديث يريد أن يجعل الشاك عالماً في حالة الشك، فهو يريد جعل العلمية في حالة الشك.
الاحتمال الثالث: - هو جعل الحكم المماثل، يعني إذا استصحبت وجوب الجمعة فالشك يجعل لك وجوباً مماثلاً لذلك الوجوب الواقعي المستصحب، وهذا ما يعبر عنه بمسلك جعل الحكم المماثل.
فإذاً هناك مسالك ثلاثة معروفة، مسلك النهي عن النقض عملاً، ومسلك جعل العلمية، ومسلك جعل الحكم المماثل.
وهل يترتّب عدم حجية الأصل المثبت على خصوص المسلك الثالث – أي مسلك جعل الحكم المماثل - أو أنه يترتب على جميع المسالك؟
هناك عبارة للشيخ الأعظم(قده) في الرسائل[1] وللشيخ الخراساني(قده) في الكفاية[2] يظهر منها أنَّ عدم حجية الأصل المثبت مبنية على المسلك الثالث، لأنَّ الشيخ الأعظم(قده) أنَّ المستفاد من حديث ( لا تنقض اليقين بالشك ) هو جعل الحكم المماثل، ثم بعد ذلك ذكر أن الأصل المثبت ليس بحجة، وهذا قد يوحي بأنَّ عدم حجية الأصل المثبت مبني على مسلك جعل الحكم المماثل في مقام الاستفادة من حديث ( لا تنقض اليقين بالشك )، يعني أنَّ مفاد لا تنقض هو جعل الحكم المماثل، هكذا ربما يقال.
وفي مقام التعليق نقول:- إنَّ عدم حجية الأصل المثبت ثابتة على جميع المسالك الثلاثة ولا تختص بالمسلك الثالث، فإن عدم حجية الأصل المثبت ناشئة من فكرة القصور في المقتضي، يعني أنَّ دليل ( لا تنقض اليقين بالشك ) قاصر في الدلالة على حجية الأصل المثبت، لأنَّ أقصى ما يمكن أن نستفيده من ( لا تنقض اليقين بالشك ) لزوم ترتيب الآثار الشرعية المباشرية المترتبة على المستصحب أو المترتبة على الأثر الشرعي السابق، إذ الشارع بما هو شارع من شأنه بيان ما يرتبط بأحكامه الشرعية فإنَّ القدر المتيقن هو هذا، أما الأثر الشرعي المترتب على واسطة عقلية فيشك في كونه مقصوداً من ( لا تنقض )، والشك يكفي في نفي الدلالة، فإنَّ الدلالة تحتاج إلى مثبتٍ جزمي - أي تحتاج إلى استظهار - ومجرّد الاحتمال لا يكفي، وهذا القصور في المقتضي تام على جميع المسالك الثلاثة ولا يختص بالمسك الثالث، فكما يأتي على المسلك الثالث - وهو مسلك جعل الحكم المماثل - حيث نقول إنَّ القدر المتيقن هو جعل حكم مماثل للحكم الشرعي المترتب على المستصحب بالمباشرة أو على الأثر الشرعي الثابت للمستصحب فإنَّ القدر المتيقن هو جعل الحكم المماثل في هذه الحالة فقط أما ما زاد فيشك فيه، وهكذا على مسلك جعل العلمية وأنَّ حديث ( لا تنقض اليقين بالشك ) يجعل العلمية حالة الشك فإنَّ القدر المتيقن هو أنه يجعلها إذا كان الأثر شرعياً أو كان مترتباً على حكم شرعي، أما المترتب على واسطة عقلية - غير شرعية - فيشك في جعل العلمية بلحاظه فإنَّ العلمية هنا ليست حقيقية وإنما هي جعلية واعتبارية، فاعتبار العلمية يشك في ثبوته في الدائرة الأوسع فيؤخذ بالمتيقن، وهكذا يقال بناءً على ارادة النهي عن النقض عملاً فإنَّ القدر المتيقن ارادته هو عدم النقض عملاً بلحاظ الآثار الشرعية المباشرية وأما ما زاد على ذلك هو محتملٌ ولكن لا ظهور فيه.
فإذاً فكرة القصور في المقتضي التي هي وجه عدم حجية الأصل المثبت تامة على جميع الاحتمالات الثلاثة.