الأستاذ الشيخ باقر الايرواني

بحث الأصول

43/07/18

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع: - التنبيه الثالث ( الأصل المثبت ) - تنبيهات الاستصحاب - مبحث الاستصحاب - الأصول العملية.

الوجه الثالث:- ما أفاده السيد الخوئي(قده)[1] ، حيث قال:- صحيح أنَّ الأصل ليس بحجة في لوازمه غير الشرعية، ولكن الأمارة أيضاً هي ليست بحجة في لوازمها، نعم خرج بالسيرة غير المردوع لوازم الخبر فإنها تثبت به وتكون حجة لا لوازم مطلق الأمارة.

ويرده: - نحن نسلّم أنَّ سيرة العقلاء جرت في باب الخبر على العمل بلوازمه ولكن العقلاء ليست لهم قضايا تعبّدية بل إعمالهم وسيرتهم تكون مستندة إلى نكاتٍ، ولعل تلك النكتة في باب الخبر هي سيّالة وتجري في غير الخبر من الأمارات، وعلى هذا الأساس لابد من البحث عن تلك النكتة إذ لعلها تنفعنا في بقية الأمارات غير الخبر، ومن هنا ننتقل إلى الوجه الرابع.

الوجه الرابع: - وهو الصحيح، وذلك بأن يقال: - إنَّ العقلاء إذا عملوا بأمارةٍ كخبر الثقة مثلاً أو الظهور أو ما شاكل ذلك فلابد وأن يكون عملهم لنكتةٍ إذ لا تعبّد في عمل العقلاء، وتلك النكتة في مثل الخبر هي كاشفيته عن مؤداه بدرجة سبعين بالمائة مثلاً أو أكثر، فإذا جاء الثقة وأخبرنا عن قضيةٍ فحينئذٍ نحن نعمل بهذا الخبر لكاشفيته بدرجة سبعين بالمائة أو أكثر - كما إذا كان ثقةً أعلائياً مع بعض القرائن - فإننا نعمل بهذه الكاشفية، وإذا قلنا بهذا وهو أمر وجداني غير قابل للتشكيك فنقول إنَّ هذه الكاشفية بالدرجة المذكورة التي دعتنا إلى العمل بخبر الثقة في مدلوله المطابقي هي موجودة في اللوازم بنفس الدرجة، فإذا أخبر العاقل الثقة أنَّ زيداً جاء من السفر فإنَّ لوازم ذلك أنه جاء ومعه حقيبة أو معه هدايا أو ما شاكل ذلك، وهذه الكاشفية التي هي بنفس الدرجة إذا دعتنا للعمل بأصل خبر الثقة - أي بمدلوله المطابقي بمجيئه - فهي بفنسها تكون داعية إلى العمل بلوازمه، لوجود نفس النكتة وهي الكاشفية بدرجة سبعين بالمائة فما زاد، وهذا بخلافه في باب الأصل، فإنَّ النكتة ليست هي الكاشفية حتى نضم إلى ذلك المقدمة السابقة وهي أنَّ كاشفية الشيء عن شيءٍ تعادل من حيث الدرجة كاشفيته عن لوازمه، فإنَّ هذه المقدمة لا يمكن أن نضمّها في باب الأصل، لأنَّ حجيته لم تنشأ من الكاشفية وإنما نشأت من التعبّد، فنقتصر على مقدار التعبّد دون ما زاد، بخلافه في باب الأمارة فإنَّ منشأ الحجية هو الكاشفية العقلائية، وتلك الكاشفية درجتها بلحاظ المدلول المطابقي تعادل الكاشفية درجتها بلحاظ المدلول المطابقي تعادل درجة الكاشفية عن المدلول الالزامي ولا فرق بينهما من حيث درجة الكاشفية فيلزم أن تكون الأمارة حجة في الوازم أيضاً لوجود نفس الدرجة من الكاشفية، بينما الأصل حجيته ليست من باب الكاشفية بل من باب التعبّد الصِرف فنقتصر على مورده دون لوازمه، إذ في باب التعبّد يقتصر على مقدار التعبّد دون ما زاد على ذلك، ومن الواضح أنَّ هذا المطلب يعم كل أمارة سواء كان خبراً أو ظهور أو غير ذلك، فإنَّ ظهور الشيء بلحاظ مدلوله المطابقي وحجيته بلحاظ المدلول المطابقي من حيث كاشفية الظهور عن ذلك المدلول المطابقي، وهذه الكاشفية موجودة في اللوازم أيضاً بنفس الدرجة فيكون حجة فيها أيضاً، وهكذا يكون هذا الكلام سيّال في كل أمارة، بخلافه في الأصل فإنه لا توجد هذه الكاشفية حتى يكون حجة في اللوازم.

وقد يقول قائل: - إنه بناءً على هذا يلزم التعدّي في اثبات اللوازم إلى باب الاستصحاب ولا نقتصر على باب الأمارة، فإنَّ حجيته هو لكشف الثبوت السابق عن البقاء اللاحق، فإذا كانت هذه هي النكتة فيلزم أن تكون لوازم الاستصحاب ثابتة به أيضاً وهذا لا يمكن الالتزام به فإنَّ لوازم الاستصحاب لا تثبت بالاستصحاب فإنَّ ذلك هو ما يعبر عنه بالأصل المثبت، فكيف تتخلص من هذه المشكلة؟

والجواب:- إنَّ لوازم المستصحب على نحوين، الأول لوازم متيقنة كنفس المستصحب، فكما أنَّ الاستصحاب متيقن الحدوث فاللوازم أيضاً هي كذلك، والثاني الوازم ليست متيقنة الحدوث، فإذا كانت اللوازم متيقنة الحدوث فنسلّم بأنه لا محذور في أن تثبت تلك اللوازم من باب أنها متيقنة الحدوث فيكون هناك كاشفية عن بقائها، من قبيل ما إذا جزمنا بولادة ولدٍ فهنا تيقنّا بذلك، وهناك لوازم مثل أنه يبكي ويأكل وينام وهكذا، فهذه لوازم متيقنة مادمنا نتيقن بأصل حدوثه، ففي ممثل هذه الحالة يثبت المتيقن عند الشك في البقاء وتثبت تلك اللوازم، إذ درجة الكاشفية هي واحد بلحاظ المتيقن وبلحاظ اللوازم، فمادام عندنا يقين بوجوده فعندنا يقين أيضاً باللوازم فتثبت تلك اللوازم، ولا محذور في ثبوت مثل هذه الوازم، لأنَّ اليقين فيها موجودٌ، فحينئذٍ يجري استصحابها كاستصحاب نفس المتيقن، وأما إذا كان اللازم من القبيل الثاني يعني لا يقين بحدوثه سابقاً مثل نبات اللحية والشارب فإنه حينما جاء هذا الولد إلى الدينا ليستا موجودتان وبعد ذلك فارقناه وشككنا بعد عشرين سنةٍ أنه حي أو ليس بحي فيجري استصحاب بقاء حياته وأما اللوازم الملازِمة له سوف تجري أيضاً وهي أنه يأكل ويشرب وبنام، أما نمو اللحية فبما أنه لم يكن له وجودٌ سابق ويقين سابق فلا يجري بلحاظه الاستصحاب، فلا تثبت تلك اللوازم العادية التي لا يقين بحدوثها فيما سبق، وحينئذٍ يحصل الفارق الواضح بين اللوازم الثابتة من البداية عند حدوث المتيقن المستصحب واللوازم المنفكَّة، فاللوازم الثابتة من البداية تثبت باستصحاب المتيقن ولا محذور في ذلك دون اللوازم العادية التي لا يقين بحدوثها، أو قل اللوازم الثابتة من البداية يجري استصحابها لأجل وجود اليقين بها، أما اللوازم الأخرى كنمو اللحية ووجع الرجل أو وجع الظهر - بسبب كبر سنّه - فتلك لا تثبت باستصحاب الحياة، فإنها لم تكن ملازمة وثابتة سابقاً ولا يقين بها سابقاً فلا تبت.

وبهذه الطريقة بيّنا عدم حجية الأصل المثبت.


[1] مصباح الأصول، الخوئي، ج3، ص155.