الأستاذ الشيخ باقر الايرواني

بحث الأصول

43/07/17

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع: - التنبيه الثالث ( الأصل المثبت ) - تنبيهات الاستصحاب - مبحث الاستصحاب - الأصول العملية.

هذا وربما يجاب دفاعاً عن الشيخ النائيني(قده) بجوابٍ آخر غير ما ذكرناه وذلك بأن يقال: - إنَّ مقتضى إطلاق دليل حجية الأمارة وأنها علم هي أنها علم بلحاظ مؤداها وبلحاظ لوازم مؤداها تمسكاً باطلاق الدليل، فلو كان الدليل يقول الخبر حجة فحينئذٍ مقتضى الاطلاق أنه حجة - أي علم - بلحاظ المولول المطابقي وأنه حجة أي علم بلحاظ المدلول الالتزامي تمسكاً باطلاق الدليل، فبناءً على مسلك العلمية نتمسك بإطلاقه بلحاظ كلا مدلوليه، فهو يجعل العلمية بلحاظ المدلول المطابقي وبلحاظ المدلول الالتزامي.

ويرده: -

أولاً: - هذا إن تم فهو يتم لو فرض أن دليل الحجية كان لفظياً كأن يقول الأمارة حجة حتى يتمسك بإطلاقه، ولكن الدليل عندهم كما هو واضح هو السيرة فيلزم الأخذ بما تقتضيه السيرة، فان اقتضت السيرة الحجية بلحاظ المدلول المطابقي والالتزامي نأخذ به، وإن لم تقتض إلا بلحاظ المدلول المطابقي فلا تثبت اللوازم، وحيث إنَّ السيرة دليل لبّي لا إطلاق فيه فلا يمكن التمسك بالاطلاق.

ثانياً: - لو سلَّمنا وجود دليل لفظي يدل على حجية الأمارة فهو ينفع فيما إذا كان مفاد الحجية هو التنزيل دون الاعتبار، فإذا قلنا إنَّ مفاد حجية الأمارة هو أنها نزّلت الأمارة منزلة العلم فهنا يتمسك باطلاق التنزيل، إذ يقال إنَّ مقتضى الاطلاق الشمول للآثار الشرعية المباشرية والأثار الشرعية الثابتة بواسطةٍ غير شرعية تمسكاً باطلاق دليل التنزيل، وأما إذا كان مفاد الحجية هو الاعتبار - كما هو رأي الشيخ النائيني والسيد الخوئي - وأنَّ معنى الحجة هو جعل العلمية - يعني اعتبار الأمارة علماً - فلا معنى حينئذٍ للتمسك بالاطلاق، نعم لأجل أن لا يلزم لغوية اعتبار الأمارة علماً يقال يلزم ترتّب الآثار، ولكن يتمسك بالقدر المتيقن وهي الآثار المباشرية، إذ اللغوية تندفع بذلك، ولا يوجد مثبت لما زاد عليه - يعني بلحاظ الآثار - الشرعية المترتبة بواسطة غير شرعية.

إن قلت: - ما الفارق بين التنزيل والاعتبار؟، ففي باب التنزيل سلمت وقلت إنَّ مقتضى إطلاق التنزيل العموم لجميع الآثار أما في باب الاعتبار نقتصر على القدر المتيقن؟

قلت:- إنَّ التنزيل ابتداءً هو ناظر إلى الآثار، فحينما يقول المولى نزّلت الأمارة منزلة العلم يعني في الآثار، فالتنزيل ناظر ابتداءً إلى الآثار وبلحاظ الآثار، وحينئذٍ يقال حيث لم يقيد بأثرٍ دون أثر فيثبت بمقتضى اطلاق التنزيل التعميم لمطلق الآثار الشرعية للحكم من كونها مباشرية أو بواسطة غير شرعية، وهذا بخلاف ما إذا كان مفاد دليل الحجة هو الاعتبار- يعني يقول اعتبرت الأمارة علماً أي جعلتها فرداً من أفراد العلم - فإنه هنا يكون الملحوظ ابتداءً هو ادخال الأمارة في العلم وأنها مصداقٌ له، وليس المنظور هو الآثار، نعم كي لا يلزم لغوية الاعتبار فإنه من دون ترتب الآثار يكون اعتبار الأمارة علماً هو لغو وبلا فائدة، فلأجل أن لا تلزم لغوية الاعتبار يكفي أن يكون الاعتبار بلحاظ الآثار الشرعية المباشرية، وأما ما زاد على ذلك فلا مثبت له.