الأستاذ الشيخ باقر الايرواني

بحث الأصول

43/07/13

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع: - التنبيه الثالث ( الأصل المثبت ) - تنبيهات الاستصحاب - مبحث الاستصحاب - الأصول العملية.

الفارق بين الأمارة والأصل: -

لماذا صارت لوزام الأصل ليست بحجة - يعني أنها لا تثبت - بينما لوازم الأمارة حجة - يعني أنها تثبت -؟

والجواب: - قد تذكر وجوه ثلاثة في هذا المجال: -

الوجه الأول: - ما ذكره الشيخ الآخوند(قده) في الكفاية، حيث ذكر ما حاصله: - إنَّ نفس دليل حجية الأمارة يدل على حجية اللوازم، بخلافه في دليل الأصل، فإنَّ مثل ذلك غير ثابت فيه.

وتوضيحه: - إنَّ الحجية في باب الأمارة قد ثبتت لعنوان الخبر، ومن المعلوم أنَّ لوازم الخبر هي أخبارٌ أيضاً، فيشملها نفس دليل حجية الخبر باعتبار أنها أخبار أيضاً، فلو أخبر شخص أن فلاناً ولد له مولود، فهنا توجد أخبارٌ متعددة، منها أنه قد ولد له المولود، والثاني أنه يبكي أحياناً، والثالث أنه يريد أن يتغذّى، والرابع أنه يريد أن ينام ... وهكذا، فإنَّ لوازم الإخبار يصدق عيلها عنوان الخبر، ومادام يصدق عليها عنوان الخبر فدليل حجية الخبر كما يشمل الإخبار عن المدلول المطابقي يشملها أيضاً، ولا نحتاج معه إلى دليلٍ جديدٍ على حجية الخبر في اثبات لوازمه بعد صدق عنوان الإخبار بلحاظ كل لازم من تلك اللوازم، قال:- ( ثم لا يخفى وضوح الفرق بين الاستصحاب وسائر الأصول التعبدية وبين الطرق والأمارات[1] ، فإنَّ الطريق والأمارة حيث إنه كما يحي عن المؤدى ويشير إليه كذا يحكي عن أطرافه من ملزومه ولوازمه وملازماته ويشير إليها كان مقتضى اطلاق دليل اعتبارها لوزم تصديقها في حكايتها )[2] ، فنفس ما دل على حجية الخبر بلحاظ مدلوله المطابقي يدل على حجيته بلحاظ مداليله الالتزامية لصدق عنوان الإخبار على اللوازم كما يصدق على المدلول المطابقي.

ووافقه على ذلك تلميذه الشيخ العراقي(قده)[3] .

وأشكل العلمان الشيخ النائيني[4] والسيد الخوئي[5] على ذلك وقالا: - إنَّ صدق الإخبار فرع القصد، ومن لم يقصد ولم يلتفت إلى اللوازم لا يصدق أنه أخبر عنها، فما ذكره الشيخ الخراساني(قده) من دليل أخصّ من المدّعى، يعني هو ينفع فقط فيمن هو ملتفت إلى المداليل الالتزامية، ولكن في الكثير من الأحيان لا يلتفت المتكلم إلى المداليل الالتزامية، فلا يصدق عنوان الخبر بلحاظها لأنه غير ملتفت إليها، وعليه فلا تثبت حجية تلك الوازم لعدم صدق عنوان الخبر والإخبار في مثل هذ الحالة.

وحاول الشيخ العراقي(قده) الاجابة على ما ذكره الشيخ النائيني(قده) بجوابين[6] : -

الجواب الأول: - إنه يكفي في صدق الإخبار بلحاظ المداليل الالتزامية قصد الإخبار بلحاظ المدلول المطابقي، ولذا في باب الإقرار يؤخذ بلوازم الإقرار حتى إذا كان المقِر غافلاً عن تلك اللوازم، وما ذاك إلا لصدق عنوان الإخبار بلحاظ اللوازم وإن لم تكن مقصوده.

الجواب الثاني: - لو سلَّمنا أنه يلزم القصد في صدق الإخبار بلحاظ المدلول الالتزامي، ولكن نقول يكفي القصد التقديري، يعني إنه لو التفت المتكلم إلى الدلول الالتزامي لقصده، فإنَّ هذا المقدار يكفي في صدق عنوان الاخبار بلحاظ المدلول الالتزامي.

وللتوضيح نقول: - إنه حينما يقال جاء زيد من السفر فالمدلول الالتزامي لذلك هو أنه جاء ومعه حقيبة أغراضه، كما أنه جاء متعباً من السفر، كما أنه جاء ومعه الهدايا إلى غير ذلك من اللوازم، فالمتكلم الذي قال جاء زيد من السفر هو وإن لم يقصد تلك المداليل الالتزامية ولكنه لو التفت إليها لقصدها جزماً، فهذا المقدار من القصد التقديري المعلَّق على الالتفات يكفي في صدق عنوان الإخبار بلحاظها.

وفي مقام التعليق على كل ما أفيد نقول: - إنَّ لمعرفة كون الأمارة حجة في مدلولها الالتزامي أو لا يلزم الرجوع إلى دليل حجية تلك الأمارة وملاحظ ماذا يقتضيه ذلك الدليل وهل يقتضي الحجية بلحاظ المداليل الالتزامية أو لا، ومن المعلوم أنه في باب الخبر قد لا توجد آية أو رواية تقول الخبر حجة، وإنما المدرك المهم هو السيرة العقلائية الممضاة بعدم الردع، وعليه فاللازم الرجوع إلى السيرة وملاحظة ماذا تقتضيه، يعني نلاحظ سيرة العقلاء في باب الخبر هل جرت على العمل بالمدلول المطابقي فقط أو جرت على العمل حتى بلحاظ المداليل الالتزامية أيضاً، وما جرت عليه نأخذ به، فإنَّ هذا هو المناسب.

وبناءً على هذا فلا معنى لما أفاده الشيخ الخراساني(قده) من أنَّ الإخبار عن شيء اخبار عن لوازمه حيث نقول:- إنه لا يوجد عندنا دليل لفظي - أو قد يعصب تحصيل دليل لفظي - يقول الخبر حجَّة حتى نسير كما سار هو وقال إنَّ عنوان الخبر كما يشمل المدلول المطابقي يشمل المدلول الالتزامي أيضاً فيكون حجة بلحاظ الاثنين، بل الدليل المهم عنده هو السيرة، فعليه أن يرجع إلى السيرة وملاحظة ماذا تقتضيه، ولا معنى لأن يرجع إلى عنوان الخبر، وعليه فالطريق الذي ذكره مرفوضٌ من الأساس، على أنه لو تم فهو يتم في الخبر، ومعلومٌ أنَّ الأمارة ليست منحصرة بالخبر، فإذاً غاية ما يثبت بما أفاده هو حجية الخبر في لوازمه، لا حجية الظهور - الذي هو من الأمارات في لوازمه -، فما أفاده منهجيته باطلة أوّلاً لأنَّ دليل الحجبة هو السيرة، وثانياً أنه مع التنزّل فهو خاص بالخبر ولا يعم جميع الأمارات، فدليله إن تم فهو أخص من المدّعى.

وبذلك اتضح الاشكال على ما أفاده العلمان الشيخ النائيني(قده) والسيد الخوئي(قده): - فإنه يظهر من تعليقهما على كلام صاحب الكفاية(قده) حيث قالا ( يعتبر القصد في صدق عنوان الخبر والإخبار ) فيظهر أنهما ساراً في اثبات حجية اللوازم على طبق ما أفاده صاحب الكفاية(قده) وقبلا به ولكنهما أشكلا في قضية جانبية، وهي أنَّ القصد معتبر في عنوان الخبر، والحال أنَّ المناسب أن يقولا يلزم أن نرجع إلى دليل حجية الخبر، لا أنَّ عنوان الخبر لا يصدق إلا مع القصد.

وهكذا يتضح الاشكال على ما أفاده الشيخ العراقي(قده) وما ذكر من شاهد.


[1] معنى الطرق هنا والأمارت شيء واحد، لكن الأمارات تستعمل عادةً في باب الموضوعات، والطرق تستعمل في باب الأحكام.
[2] كفاية الأصول، الآخوند الخراساني، ص416، التنبيه السابع من تنبيهات الاستصحاب.
[3] نهاية الأفكار، العراقي، ج4، ص183.
[4] أجود التقريرات، الخوئي، ج2، ص418، ط قديمة.
[5] مصباح الأصول، الخوئي، ج3، ص153.
[6] نهاية الأفكار، العراقي، ج4، ص484.