43/07/12
الموضوع: - التنبيه الثالث ( الأصل المثبت ) - تنبيهات الاستصحاب - مبحث الاستصحاب - الأصول العملية.
صيغة أخرى لعدم حجية الأصل المثبت: -
إذا أردنا بحجية الأصل المثبت فالاحتمالات في ذلك ثلاثة: -
الاحتمال الأول: - التمسك بقاعدة ( إذا ثبت الشيء ثبتت لوازمه )، إذ لو لم تثبت لوزم الشيء كان ذلك خلف كونها لوازمه، وعليه فمتى ما ثبت شيء ثبتت لوازمه، فإذا شككنا أنَّ هذا الشيء حاجب أو ليس بحاجب فسوف يثبت عدم الحاجبية فيثبت لازمه وهو وصول الماء إلى البشرة، وإذا لم تثبت كان ذلك خلف الملازمة.
وجوابه واضح حيث يقال: - إنَّ هذا وجيه إذا كانت الملازمة بين الشيئين ملازمة تكوينية حقيقة لا بالتعبّد، وأما إذا كانت بالتعبّد فلا، يعني إذا ثبت أنه لا يوجد حاجب حقيقةً وتكويناً فاللازم هنا هو وصول الماء إلى البشرة جزماً، وأما إذا فرض أنَّ الدليل يريد أن يعبّدني فبالإمكان أن يعبّدني بعدم الحاجبية من دون أن يعبّدني بوصول الماء إلى البشرة، فما يتم في باب اللوازم التكوينية دون الوازم التعبّدية، فإنه في باب التعبد لابد من الاقتصار على مقدار التعبّد، ومقدار التعبّد يتم في التعبّديات والشرعيات لا بين الشيء التكويني والشيء الشرعي.
الاحتمال الثاني: - أن تكون حجية الأصل المثبت من باب التمسك باطلاق حديث ( لا تنقض اليقين بالشك )، فإنَّ مقتضى اطلاقه الشمول لجميع الآثار بما في ذلك الآثار الشرعية المترتبة على الواسطة غير الشرعية.
وجوابه:- إنَّ هذا وجيهٌ فيما إذا فرض أنَّ كلمة ( الآثار ) موجودة في دليل حجية الاستصحاب بأن كان يقول ( لا تنقض اليقين بالشك بلحاظ الآثار ) فنتمسك حينئذٍ باطلاق الآثار سواء كانت آثاراً شرعية أو غير شرعية، ولكن لا توجد هذه اللفظة في الرواية ، نعم من باب دلالة الاقتضاء أي من باب صون كلام الحكيم عن اللغوية لابد وأن يكون المقصود هو لا تنقض اليقين بلحاظ الآثار، وحينئذٍ نتمسك بالقدر المتيقن، إذ لا توجد لفظة آثار حتى نتمسك باطلاقها، بل لابد من تقديرٍ حتى يلزم صون كلام الحكيم عن اللغوية، والمقدَّر هو الأثر الشرعي المباشري أو الأثر الشرعي المترتّب على الواسطة الشرعية، أما الأثر المترتب على الواسطة العقلية فلا يمكن أن نقول بكونه مشمولاً، لأنَّ لفظ ( آثار ) ليس موجوداً حتى نتمسَّك بالاطلاق.
الاحتمال الثالث: - أن تكون حجية الأصل المثبت من باب أنَّ اللوازم إذا لم تثبت كان شمول دليل الاستصحاب للمورد لغواً، فمثلاً إذا فرض أنَّ استصحاب عدم الحاجب لا يثبت لنا وصول الماء إلى البشرة كان شمول دليل الاستصحاب لهذا المورد لغواً، وعليه فمتى ما شمل اطلاق الدليل مورداً معيناً فلابد وأن تترتب آثاره.
والجواب:- مرّةً نفترض أنَّ الأثر للشيء يختص بكونه غير شرعي، وأخرى نفترض وجود أثرٍ شرعي وأثر غير شرعي، فإذا فرض أن الأثر كان يشمل الشرعي وغير الشرعي ولا يختص بالشرعي فقط ففي مثل هذه الحالة نقول إنَّ القدر المتيقن من دليل التعبّد أنه يعبّدنا بلحاظ الآثار الشرعية وما زاد لا يثبت، والمفروض أنَّ كلمة ( الأثر ) ليست موجودة في النص حتى نتمسك بالاطلاق، وإنما من باب صون الكلام الحكيم عن اللغوية، فنقول إنَّ القدر المتيقن هو لا تنقض بلحاظ الآثار الشرعية فقط، وأما إذا فرض أنه لا يوجد للمستصحب أثرٌ إلا الأثر غير الشرعي - كما في استصحاب عدم الحاجب الذي أثره وصول الماء إلى البشرة وهو ليس أثراً شرعياً وإنما هو أثر عقلي، لأنه لا يوجد ديل شرعي يدل عليه وإنما هو أثر عقلي - ففي مثل هذه الحالة نقول إنَّ دليل الاستصحاب لا يشمل هذا المورد من البداية حتى يلزم محذور اللغوية وصيانة كلام الحكيم عن اللغوية.