الأستاذ الشيخ باقر الايرواني

بحث الأصول

43/07/10

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع: - تتمة التنبيه الثاني ( الاستصحاب التعليقي في الشبهات الموضوعية )، التنبيه الثالث ( الأصل المثبت ) - تنبيهات الاستصحاب - مبحث الاستصحاب - الأصول العملية.

الاستصحاب التعليقي في الشبهات الموضوعية: -

الاستصحاب التعليقي تارةً يكون في باب الاحكام، وهو ما تحدثنا عنه سابقاً، وأخرى يكون في باب الموضوعات، أما في باب الاحكام فقد ذكرنا مثاله وهو أنَّ الزبيب لو غلى هل يحرم أو لا، فإذا أردنا أن نجري الاستصحاب فهذا استصحابٌ في شبهة حكمية، يعني أنَّ حكم الزبيب لا ندري هو نفس حكم العنب أو لا، وهذا استصحابٌ في شبهةٍ حكميةٍ، وهو ما تقدم الحديث عنه، وكان فيه كلام، وقيل إنه لا يجري لإشكالاتٍ ثلاثة قد تقدمت.

وأخرى يكون الاستصحاب التعليقي في شبهةٍ موضوعية، كما إذا فرض أنَّ العنب لو جفَّ فلا يحرم بالغليان ولكن نشك هل جفَّ حتى لا يحرم بالغليان أو لم يجف حتى يحرم بالغليان، فهنا هل يجري الاستصحاب أو لا؟، وهذا استصحاب تعليقي في شبهة حكمية، لأننا لا نعلم بحكم الزبيب فإنَّ الموضوع واضحٌ وهو أنَّ هذا زبيبٌ جزماً، أما حينما صار زبيباً فحتماً هو لا يحرم ولكن هنا نشك هل صار زبيباً أو لم يصر زبيباً فهذه شبهة موضوعية، فهنا هل يمكن أن يجري الاستصحاب أو لا؟، يعني نشير إليه ونقول هذا سابقاً حينما كان عنباً كان إن غلى حرم وعند الشك في جفافه نشك في بقاء تلك الحرمة فنستصحب تلك الحرمة المعلَّقة، فهذا الاستصحاب التعليقي هل يجري في الشبهة الحكمية أو لا؟

والجواب: - إنَّ الموقف لا يتغير، والاشكالات الثلاثة التي كانت واردة في الاستصحاب التعليقي في الشبهات الحكمية تأتي هنا أيضاً، فيأتي الاشكال الأول الذي كان للشيخ النائيني والمتكون من أربعة شقوق، كما يأتي الاشكال الثاني وهو أنَّ استصحاب الحرمة المشروطة لا ينفع لأنه لا يثبت الحرمة الفعلية والمهم هو الحرمة الفعلية واستصحاب الحرمة المعلَّقة لإثبات الحرمة الفعلية لا يتم إلا على فكرة الأصل المثبت، كما يأتي الاشكال الثالث هو المعارضة بين الاستصحاب التنجيزي والاستصحاب التعليقي، حيث نشير إلى الذي لا ندري أنه صار زبيباً أو لم يصر زبيباً جفَّ أو لم يجف ونقول الاستصحاب التعليقي السابق حالة العنبية إنَّ غلى حرم، فاستصحاب ذلك الحكم المعلَّق إلى الآن معارضٌ باستصحاب الحلّية الفعلية قبل الغليان، لأنَّ هذا الذي لا ندري بأنه صار زبيباً أو لم يصر زبيباً جف أو لم يجف فهذا هو حلالٌ جزماً قبل أن يغلي فنستصحب الحلّية الفعلية وتكون معارضة لاستصحاب الحرمة المعلَّقة، فما قيل هناك من الاشكالات يأتي هنا أيضاً، وما ذكر من تعليقٍ هناك يأتي هنا ايضاً، وعليه فلا يوجد كلامٌ جديدٌ في هذه الحالة ويكفينا هذا المقدار.

التنبيه الثالث: - الأصل المثبت.

الأصل المثبت هو كل أصل يراد من اجرائه ترتيب الآثار غير الشرعية للمستصحب، والمعروف عدم حجيته، على خلاف الأمارة فإنَّ المعروف حجيتها في اللوازم غير الشرعية، فإذا جاء شخصٌ وأخبر بأنَّ فلاناً شرب السمَّ ومن آثار شرب السمّ هو مفارقة الحياة فالموت لازم غير شرعي إذ لا يوجد دليل شرعي يقول من شرب السم فقد فارق الحياة وإنما هي ملازمة عادية، فالأمارة حجة في لوازمها غير الشرعية، أما لماذا هي حجة في ذلك؟ سيأتي التوجيه الفنّي لذلك، ولكن كلامنا الآن في الأصل المثبت، والمعروف أنَّه ليس بمثبت.

وفي هذا المجال نقول: - إنَّ المستصحب تارة يكون حكماً، وأخرى يكون موضوعاً لحكم، فتارةً المستحب هو وجوب الجمعة إلى زمن الغيبة، وأخرى استصحاباً لموضوع ٍ كالعدالة، أما إذا كان المستصحب حكماً فالمعروف جريانه، وإنما الاشكال يختص في الأصل المثبت في الموضوعات، فإذا فرضنا في باب الحكم استصحبنا بقاء وجوب الجمعة فالمعروف أنه يجري وتثبت اللوازم غير الشرعية التي هي وجوب الامتثال.

وقد يشكل ويقال: - كيف رُتّبّ اللازم العقلي هنا؟، ففي باب الأحكام إذا ستصحبنا الحكم - مثل بقاء وجوب الجمعة - نقبل ترتيب الأثر العقلي وهو وجوب الامتثال، فكيف حينئذٍ ندفع إشكال الأصل المثبت هنا؟

قلنا: - هذا ما سيأتي الكلام عنه فيما بعد.

والكلام المهم هو في الأصل المثبت في باب الموضوعات، كما إذا استصحبنا عدم وجود الحاجب، كما لو شككنا أنَّ الحاجب موجود أو ليس بموجود فنستصحب عدم وجوده ويثبت بذلك وصول الماء إلى البشرة وأن الوضوء صحيح، فهذا هو محل النزاع، أما في باب الأحكام فالكلمة متفقة على جريان الاستصحاب في باب الأحكام، فنستصحب وجوب الجمعة ويثبت بذلك وجوب الامتثال من دون كلامٍ رغم أنه حكم عقلي، وهذا ما سيأتي بيانه، ولكن كلامنا في استصحاب الموضوع، فهنا إذا استصحبنا عدم الحاجب ونريد أن نثبت من خلاله وصول الماء إلى البشرة فهذا أصل مثبت، لأنَّ هذا الأثر غير شرعي، إذا لا يوجد دليل شرعي يقول إذا لم يوجد الحاجب فقد تحقق الوضوء ووصل الماء إلى جميع البشرة وإنما هو حكم عقلي، فالمعروف بين الأصحاب إنَّ هذا الأصل المثبت ليس بحجة، أما الأمارة فهي حجَّة، وسيأتي وجه التفرقة بينهما.