الأستاذ الشيخ باقر الايرواني

بحث الأصول

43/07/07

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع: - التنبيه الثاني ( هل الاستصحاب التعليقي حجة أو لا ؟) - تنبيهات الاستصحاب - مبحث الاستصحاب - الأصول العملية.

إن قلت: - إنه يمكن أن نجري الاستصحاب التعليقي ويثبت لنا أنه إن طرحت الثوب في الحوض الآن فقد طهر، فلو طرحته في الحوض فقد تحقق الشرط وقد طهر، فنقول استصحاب القضية الشرطية وضم تحقق الشرط إليها لإثبات تحقق المشروطة هو أصلٌ مثبت، لأن الملازمة عقلية وليست شرعية، إذ لا يوجد دليل شرعي يقول إذا كانت الشرطية باقية وتحقق الشرط فقد تحقق المشروط، فإنَّ الحكم بتحقق المشروط هنا حكم عقلي وليس شرعي، وعليه فسوف لا ينفعنا مثل هذا الاستصحاب.

إن قلت: - كيف قبلت الاستصحاب التعليقي في باب الأحكام رغم أنَّ التعليق هناك موجودٌ، فلماذا يأتي محذور المثبتية في الاستصحاب التعليقي للمتعلق أو للموضوع فقط ولا يأتي في باب الأحكام؟

قلت:- ذلك باعتبار أنَّ المطلوب في الأحكام هو التنجيز والتنجّز، يعني أنَّ تنجّز الحكم فرع وصول الكبرى والصغرى، وحيث إنَّ الكبرى واصلة بالاستصحاب، فحينما كان عنباً إن غلى حرم وبالاستصحاب يثبت إنه إن غلى العصير الزبيبي حرم، وأما الصغرى فهي أن نغلي العصر الزبيبي، وبهذا تحقق الشرط وهو الغليان، فبضم الشرط إلى القضية الشرطية يثبت بذلك كون المتحقق هو الحكم الفعلي، وهذا مبني على الأصل المثبت، بخلافه في باب الأحكام فإنَّ المطلوب هو التنجّز، ويكفي في التنجّز وصول الكبرى والصغرى، والكبرى هي ( إن غلى حرم ) وهي ثابتة بالاستصحاب، والصغرى واصلة بالوجدان، فيكفينا هذا لحصول التنجّز ولا يأتي مثل هذا الاشكال.

الوجه الثاني:- التمسك بفكرة المعارضة بين الاستصحاب التعليقي والاستصحاب التنجيزي فنقول:- إذا جرى الاستصحاب التعليقي فهو يعارضٌ بالاستصحاب التنجيزي، لأننا نشير إلى الثوب ونقول إنَّ هذا الثوب إن طرحناه قبل ساعة في الحوض لطهر لأنه كان يوجد ماء في الحوض جزماً، والآن نشك هل يوجد ماء في الحوض أو لا فنقول لو طرحناه فيه لطهر أيضاً، وعلى هذا الأساس نثبت الطهارة بواسطة الاستصحاب التعليقي، وهذا معارضٌ بالاستصحاب التنجيزي، لأننا قبل أن نلقي الثوب في الحوض كان الثوب نجساً ونشك هل تزول نجاسته بطرحه في الحوض الآن أو لا فنستصحب بقاء النجاسة، فيكون هذا الاستصحاب التنجيزي للنجاسة معارضاً للاستصحاب التعليقي الذي يثبت الطهارة.

إن قلت: - أنت فيما سبق أجبت عن هذه المعارضة وقلت لا معارضة بينهما، وقد مثلنا لذلك بعض الأمثلة، كما لو كان الدرس موجوداً من السبت إلى الأربعاء وشككنا أنَّه موجود في يوم السبت أو لا فنجري استصحاب بقاء الدرس ولا يعارض باستصحاب عدم وجود الدرس في يوم الجمعة، لأنَّ الوقت المقرر للدرس هو جميع أيام الأسبوع عدى الخميس والجمعة، وعليه لا معنى لادخال هذا الوقت في الحساب.

قلت:- ولكن هذا الجواب لا يأتي هنا، إذ في مقامنا لا يوجد وقتٌ مقرَّر خاصٌّ حتى نقول مادام يوجد وقتٌ خاص شرعي فهو الذي يلزم الأخذ به واجراء الاستصحاب على طبقه كما في العصير العنبي إن غلى، فإنَّ وقت الحرمة هو حين الغليان، فلا معنى لملاحظة الزبيب قبل غليانه، فإنَّه قبل غليانه ليس هو الوقت المقرَّر للحرمة أو عدمها، فلا معنى حينئذٍ ملاحظة حالة ما قبل الغليان في حقّ الزبيب، أما في مقامنا فهذا الكلام لا يأتي، لأنَّ الطهارة ليس لها وقتٌ مقررٌ شرعاً حتى نقول مادام الشرع قد عيّن الوقت وهو الإلقاء حين وجود الماء حتى نقول بعد أن قرر الشرع ذلك فلا معنى لملاحظة وقتٍ آخر وهو هذا الوقت الثاني الذي يشك فيه في وجود الماء في الحوض، فإنَّ هذا ليس مقرراً شرعياً حتى نقول نحن ملزمون بالسير على طبقه، فقياس موردنا على مثال ( العصير العنبي إذا غلى حرم ) هو قياس مع الفارق.