الأستاذ الشيخ باقر الايرواني

بحث الأصول

43/07/06

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع: - التنبيه الثاني ( هل الاستصحاب التعليقي حجة أو لا ؟) - تنبيهات الاستصحاب - مبحث الاستصحاب - الأصول العملية.

الاستصحاب التعليقي في الموضوع أو المتعلق: -

الاستصحاب التعليقي تارةً ننظر إليه بلحاظ الحكم ونقول الحكم هل يجري فيه الاستصحاب بنحو التعليق أو لا، كحرمة العنب إذا غلى، فإنَّ الحكم هو الحرمة، والحرمة معلَّقة على الغليان، فهذا استصحاب تعليقي بلحاظ الحكم، فإن الحكم معلَّق على الغيان، يعني حرمة العصير العنبي معلقة على الغليان، فنريد أن نستصحب الحرمة المعلَّقة على الغليان، وهذا ما تحدثنا فيه فيما سبق وقد عرفنا أنه كان محلاً للقال والقيل، والآن نريد أن نتكلم عن الاستصحاب التعليقي في موضوع الحكم أو في متعلّقه وهل يجري فيه الاستصحاب التعليقي أو لا؟

وهذه أمورٌ متغايرة، فلعلنا نقبل به هناك ونرفضه هنا ولعل الأمر يكون بالعكس، والمهم هو هذا السؤال: - وهو أنَّ الاستصحاب التعليقي هل يجري في موضوع الحكم أو متعلّقه أو لا يجري بقطع النظر عن كونه يجري في الحكم أو لا؟

وقبل أن ندخل في صلب الموضوع لابد وأن نفرق بين الموضوع وبين المتعلَّق: - إنَّ الفارق بينهما هو أنَّ ما يلزم إيجاده أو اعدامه - إيجاده في باب الوجوب واعدامه في باب الحرمة - فهذا هو المتعلَّق، فمتعلَّق الحكم هو ما يلزم إيجاده أو ما يلزم تركه، من قبيل وجوب الحج عند الاستطاعة، فإنَّ الوجوب هو الحكم، وأما الحج فهو متعلَّق الحكم، وأما الاستطاعة فلا يلزم ايجادها أو تركها وإنما إن تحققت فسوف يتحقق وجوب الحج وهي ما يصطلح عليه بموضوع الحكم، فموضوع الحكم لا يلزم تحصيله أو تركه بل لو فرض تحققه فسوف يثبت الحكم، فإن تحققت الاستطاعة تحقق وجوب الحج، وعليه فسوف يصير الضابط الكلي هو هذا، ففي ( يحرم شرب الخمر ) الحرمة هي الحكم، وأما الشرب فهو متعلَّق الحرمة لأنه يلزم تركه، وأما الخمر فهو الموضوع يعني إن فرض وجود خمرٍ فيلزم آنذاك ترك شربه، فالموضوع هو الخمر والشرب هو المتعلّق والحرمة هي الحكم، وهذا الميزان واضح.

وبعد أن اتضح هذا المصطلح نأتي إلى محل كلامنا ونقول: - وقع الكلام في الاستصحاب التعليقي وأنه هل يجري في الحكم أو لا، وقد تقدم الحديث عن ذلك، وكنا نمثل بحرمة العصير العنبي، فإنَّ الحرمة المعلَّقة على الغليان هل يمكن استصحابها من حالة العنبية إلى حالة الزبيبية فهذا استصحاب تعليقي في باب الحكم، أما الآن فلدينا سؤالان، الأول: - هل يمكن جريان الاستصحاب التعليقي في المتعلق؟، والثاني: - هل يمكن اجراء الاستصحاب التعليقي في الموضوع؟

ولابد من ضرب مثال لمحل كلامنا ثم بعد ذلك نقول بالجريان أو بعدمه:- ومثال الاستصحاب التعليقي في المتعلق هو استصحاب الامساك في النهار، فلو شككنا في القوت الذي نحن فيه أنه هل النهار بعد باقٍ حتى يلزم الامساك أو دخل الليل حتى يجوز الافطار؟، وهنا توجد طريقتان لمعرفة ذلك، الأولى:- أن نستصحب بقاء النهار فيثبت بذلك وجوب الامساك، والثانية:- إذا غضضنا النظر عن هذه الطريقة أو اشكلنا عليها فنقول هل يمكن أن نستصحب ونقول قبل ساعة كان الامساك إمساكاً في النهار والآن نشك هل هو كذلك في النهار فنستصحب هذه القضية التعليقية وهي أنَّ الامساك إن تحقق قبل ساعة فهو في النهار والآن أيضاً نستصحب ذلك ونقول إنَّ هذا الاسماك إن تحقق الآن فهو قد تحقق في النهار، فيلزم من ذلك لزوم الامساك، وهذا استصحاب تعليقي لإثبات أنَّ الامساك هو امساكٌ في النهار، وهل يجري هذا الاستصحاب أو لا؟ فإذا قلنا بجريانه فحينئذٍ يلزم الامساك.

وأما مثال الاستصحاب التعليقي في الموضوع فهو أن نفترض أنه كان يوجد ماء في الحوض والآن نشك في وجوده بسبب ظلمة الجو فحينئذٍ نقول إن طرحنا هذا الثوب في هذا الحوض قبل ساعة لطهر والآن إن طرحناه فيه لطهر أيضاً، فنطرحه في الحوض ويثبت بذلك طهارته، أو نقول كان الحوض أولاً يوجد فيه ماء مطلق جزماً ولم يتبدّل إلى الاضافة، فإذا غسلنا الثوب فيه قبل يوم لطهر، والآن نشك هل تغير من الاطلاق إلى الاضافة أو لا فنقول إذا غسلناه فيه الآن لطهر أيضاً - ولعل هذا المثال اقرب من السابق - إنَّ هذا استصحاب تعليقي في طهارة الثوب وهي موضوع لصحة الصلاة، فإنَّ الصلاة صحيحة إذا وقعت في الثوب الطاهر، فطهارة الثوب بالنسبة إلى صحة الصلاة هي موضوعٌ.

فكلامنا هو أنَّ الاستصحاب التعليقي إذا قبلناه في باب الأحكام فهل نقبله في باب متعلّقات الأحكام أو موضوعاتها أو لا؟

وفي هذا المجال قد يستدل على ذلك ويقال: - إنه حتى لو سلمنا بجريانه في باب الأحكام لا نسلّم بجريانه في باب الموضوعات أو المتعلّقات، وذلك لوجهين: -

الوجه الأول:- إنَّ الأثر يترتب على الطهارة الفعلية وليس على الطهارة المعلَّقة، يعني الصلاة تكون صحيحة إن وقعت في الثوب الطاهر بطهارة فعلية وليس بطهارة معلَّقة، إلا أن تُعمِل عناية لإثبات كون الطهارة فعلية وذلك بأن نقول نحن نستصحب الشرطية وهي ( إن وقع الثوب في هذا الحوض قبل ساعة لطهر والآن نشك إن وقع يطهر أو لا فنستصحب تكل القضية ) فيثبت أنه إن وقع لطهر، ثم نضم إلى ذلك قضيةً ثانيةً ونقول إنه بهذا المقدار قد ثبتت الطهارة بنحو القضية الشرطية وليس بنحو القضية الفعلية، فنقول حيث إنَّ الشرط قد تحقق بالفعل - بأن طرحنا الثوب في الحوض - فالطهارة سوف تصير فعلية، لأننا قد حققنا الشرط، ولكن نقول إنَّ هذا لا يتم إلا بناءً على فكرة الأصل المثبت لإنَّ الملازمة هنا عقلية وليست شرعية، لأنه حيث إنَّ الشرطية صادقة والشرط قد تحقق فالعقل حينئذٍ يحكم بفعلية الجزاء - وهو الطهارة - وعليه فسوف لا ينتج لنا هذا الاستصحاب التعليقي الطهارة الفعلية للثوب، وشرط صحة الصلاة هو الطهارة الفعلية للثوب.