الأستاذ الشيخ باقر الايرواني

بحث الأصول

43/07/05

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع: - التنبيه الثاني ( هل الاستصحاب التعليقي حجة أو لا ؟) - تنبيهات الاستصحاب - مبحث الاستصحاب - الأصول العملية.

والحل في تلك الموارد[1] أن يقال: - هناك نظرة عرفية وهي أنَّ هذا الحكم ثابت في ذلك الظرف ولا معنى لملاحظة ظرفٍ آخر، فصلاة الجمعة مثلاً ظرفها هو يوم الجمعة، ولا معنى لملاحظة أنَّ يوم الخميس لا يوجد فيه وجوب فنستصحب عدم الوجوب الثابت في يوم الخميس، فإنَّ هذا لا معنى له، وهكذا لو فرضنا أنَّ شخصاً كان يحضر في مجلس تعزية كل ليلة جمعة، وفي ليلة الجمعة هذه شككنا هل ينعقد مجلس العزاء أو لا لأننا احتملنا أنَّ الخطيب غائب أو ما شاكل ذلك فهنا سوف نستصحب بقاء التعزية وانعقادها ولا نعير أهمية للشك، ولا نبرز معارضاً لهذا الاستصحاب وهو أنه قبل يوم الجمعة لم ينعقد مجلس التعزية فنستصحب عدم انعقاده الثابت في يوم الخميس مثلاً ونجعل هذا الاستصحاب العدمي معارضاً لذاك الاستصحاب فإنَّ من أراد أن يصنع هكذا فسوف لا يقبل العقلاء منه ذلك، لأنهم سوف يقولون له إنَّ يوم التعزية هو يوم الجمعة وليس يوم الخميس فأنت لابد وأن تجري الاستصحاب بلحاظ يوم الجمعة، فهو كان في كل يوم جمعة يعقد مجلس التعزية وهذه الجمعة نشك في انعقاده فيها فنستصحب انعقاده، أما ملاحظة يوم الخميس فهو ليس وقتاً لانعقاد مجلس التعزية حتى يلاحظ؟!!، أو من قبيل وجود مجلس الدرس طيلة أيام الاسبوع عدى الخميس والجمعة، ولكن شككنا قبل يوم السبت - كيوم الجمعة - هل يوجد ردس يوم السبت أو لا ففي مثل هذه الحالة نستصحب بقاء الدرس إلا أن يبرز اعلان عن عدم انعقاده، وسيرتنا جارية على ذلك، وإذا قال قائل:- إنَّ هذا الاستصحاب معارض باستصحاب عدم وجود الدرس فإنَّ يوم الخميس أو الجمعة لا يوجد فيهما درس فحينما نشك في بقاء عدم الدرس ليوم السبت فسوف نستصحب هذا العدم إلى يوم السبت ويكون معارضاً لاستصحاب بقاء الدرس يوم السبت، قلنا:- إنَّ هذا مرفوض وغريب.

وعلى هذا المنوال توجد أمثلة كثيرة.

ومن خلال هذه الأمثلة نخرج بهذه النتيجة:- وهي أنَّ المستصحب إذا كان له وقت محدد أو شرط معين ففي مقام اجراء الاستصحاب لابد من ملاحظة ذلك الوقت وذلك الشرط، ولا معنى لملاحظة الموضوع من دون ملاحظة الشرط أو ملاحظته في وقتٍ آخر فإنه شيء مرفوض عرفاً، ونفس الشيء نطبقه في موردنا ونقول:- إنَّ حرمة العصير العنبي هي معلّقة على الغليان فنستصحب بقاء هذه الحرمة المعلَّقة إلى وقت الزبيبية مادام الزبيب والعنب شيء واحد وإنما الاختلاف في الحالة وبسبب اختلاف الحالة نشك فنستصحب تلك الحرمة المعلَّقة، ولا معنى لإدخال استصحاب الحلّية الثابت حالة الزبيبية قبل الغليان، فإنَّ ملاحظة ذلك هو كملاحظة يوم الخميس والجمعة واستصحاب عدم الدرس في يوم الخميس والجمعة وجعله معارضاً لاستصحاب بقاء الدرس الذي كان ثابتاً من يوم الأربعاء، وهذا مطلبٌ يقتضيه الارتكاز العرفي.

وإذا قيل: - إنَّ العرف هو مرجعٌ في تحديد مفاهيم الألفاظ ليس مرجعاً في تحديد كيفية جريان الاستصحاب مثلاً، أو قل بعبارة أخرى: - إنَّ العرف مرجعٌ في تحديد مفاهيم الألفاظ دون تطبيقها، فنحن نرجع إلى العرف في تحديد مفهوم ( لا تنقض والنقض )، لا أنه يجري الاستصحاب هنا ولا يجري هناك فإنَّ هذا لا يرجع فيه إلى العرف.

قلت: - نحن ندّعي أنَّ هذا الارتكاز مقترنٌ بالنص، يعني بحديث ( لا تنقض اليقين بالشك ) ، والامام عليه السلام حينما بيّن هذا الحديث وقال ( لا تنقض اليقين بالشك ) وسكت عن هذا الارتكاز فهذا يدل على امضائه له، فهو ارتكازٌ ممضيٌّ ومقبولٌ ويكون بمثابة القرينة المتصلة فيعتمد عليه، وبالتالي لا ينعقد اطلاق في حديث ( لا تنقض اليقين بالشك ).

والخلاصة:- انَّ الجواب الذي ذكرناه مرجعه إلى إنكار وجود الاطلاق في حديث ( لا تنقض اليقين بالشك ) ليثبت من خلاله حجية الاستصحاب المعارض، وإنما نقول يوجد ارتكازٌ مقترنٌ بحديث ( لا تنقض اليقين بالشك ) والامام عليه السلام اعتمد على هذا الارتكاز وأطلق الحديث وإلا لردع عن هذا الارتكاز، وحاصل هذا الارتكاز العرفي أو العقلائي أنه مادام يوجد للحكم وقت مقرّر - أو لغير الحكم كالدرس - ففي مقام الاستصحاب يلحظ ذلك الوقت المقرّر ويقال إنَّ الحكم ثابت فيه ويجري الاستصحاب إلى الوقت الآخر، لا أننا ندخل في حساب الاستصحاب وجريانه في وقتٍ آخر لم يؤخذ في الحكم كما في حرمة العصير العنبي، فإنه قد أخذ فيه ظرف غليانه وعند غليانه، فظرف الحرمة هو عند غليانه، والارتكاز يقتضي هذا المقدار فقط وهو أن نلحظ الحرمة في ظرف الغليان، لا أن نلحظ الحلّية عند عدم الغليان، فإنَّ هذه الحلية لا معنى لملاحظتها، فإنَّ هذا كملاحظة وقت الدرس يوم الجمعة.

إذاً هذا القيد هو قيدٌ معتبرٌ ويقتضيه الارتكاز العرفي والعقلائي، والامام عليه السلام اعتمد على هذا الارتكاز وأطلق حديث ( لا تنقض اليقين بالشك )، وبناءً عليه فلا يمكن أن يجري إلا استصحاب الحرمة على تقدير الغليان من حالة العنبية إلى حالة الزبيبية فقط، ولا يمكن ابراز المعارض، لأنَّ ذلك المعارض ليس بحجة، لفرض أنَّ النص - وهو حديث لا تنقض - مقترن بالارتكاز الذي أشرنا إليه والامام عليه السلام قد اعتمد على هذا على الارتكاز، والذي يثبت من خلاله حجية الاستصحاب بهذا المقدار، لا الاستصحاب في وقتٍ آخرٍ ليس هو المقرر في هذا الحكم.

فإذاً سوف يرتفع هذا الاشكال بما أشرنا إليه.


[1] أي الموارد التي ذكرناها كنقض، أي موارد الشك في بقاء الجعل.