الأستاذ الشيخ باقر الايرواني

بحث الأصول

43/06/26

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع: - التنبيه الثاني ( هل الاستصحاب التعليقي حجة أو لا ؟) - تنبيهات الاستصحاب - مبحث الاستصحاب - الأصول العملية.

ويوجد توجيهٌ آخر لحكومة الاستصحاب التعليقي على الاستصحاب التنجيزي غير ما أفاده النائيني والعراقي ولعله ليس بمقصودٍ حتى للشيخ الأنصاري وهو أن يقال:- إنَّ الاستصحاب التعليقي إما أن يفترض أنه رغم كونه تعليقياً ولكن له قابلية اثبات الحرمة الفعلية للزبيب المغلي، أو يفترض أنه ليست له هذه القابلية، فإن فرض أنه لا قابلية له على اثبات الحرمة الفعلية فحينئذٍ هو لا يجري في حدّ نفسه، إذ لا فائدة من جريانه، وإن فرض أنَّ له قابلية اثبات الحرمة الفعلية فحينئذٍ نقول مادامت له هذه القابلية فسوف يصير عندنا استصحابان متعارضان، الأول استصحاب الحرمة المعلَّقة الذي يثبت لنا الحرمة الفعلية - حسب الفرض - ويقول هذا الزبيب المغلي حرام، والثاني الاستصحاب التنجيزي وهو استصحاب الحلّية حالة الزبيبية، فنستصحب الحلّية إلى حالة الزبيبية وتثبت بذلك الحلّية الفعلية، وبالتالي سوف يكون لدينا استصحابان متعارضان أحدهما الاستصحاب المعلَّق الذي يثبت لنا الحرمة الفعلية حالة الزبيبية والثاني استصحاب الحلَّية الفعلية من حالة الزبيبية إلى ما بعد الغليان، فيجتمعان ويتعارضان، وفي مثل هذه الحالة يمكن أن يقال إنَّ الاستصحاب الأول حاكم على الاستصحاب الثاني، فيسقط الاستصحاب الثاني بالحكومة ويبقى الاستصحاب الأول جارياً، وبذلك تثبت الحرمة المعلَّقة على الغليان.

[[ ولماذا يكون الاستصحاب الأول حاكماً على الاستصحاب الثاني؟

والجواب:- ليس المقصود من الحكومة هنا الحكومة بالمعنى المصطلح، وإنما المقصود منها الحكومة بمعنىً عرفي جديد، وحاصله أن نقول:- كلما كان عندنا أصلان أحدهما ينفي نتيجة الاستصحاب الثاني بينما الاستصحاب الثاني لا ينفي نتيجة الاستصحاب الأول فالعرف يرى تقدّم الاستصحاب الأول ولا يرى معارضة الاستصحاب الثاني للأول أو حكومته عليه، وفي المقام نقول إنَّ استصحاب الحرمة المعلَّقة إلى حالة الزبيبية سوف يثبت لنا الحرمة الفعلية في حالة الزبيبية، فإذا ثبتت الحرمة الفعلية صار هذا الاستصحاب نافياً للحلّية الفعلية التي يقتضيها الاستصحاب الثاني، وهذا بخلاف العكس فإنَّ استصحاب الحلّية الفعلية في الاستصحاب الثاني أقصى ما يقوله هو أن هناك حلَّية فعلية حالة الزبيبية إذا غلى، وهذا لا يتنافى مع الحرمة المعلَّقة على الغليان بمقتضى الاستصحاب الأول، لأنَّ الاستصحاب الأول هو يقتضي حرمة معلَّقة على الغليان إلى حالة الزبيبية، نعم هذه الحرمة المعلَّقة تنقلب إلى فعلية ولكنها حرمة معلَّقة - فإن الاستصحاب يجري في حرمة معلقة - فنتيجة الاستصحاب الثاني لا تنفي نتيجة الاستصحاب الأول، لأنَّ نتيجة الاستصحاب الأول هي الحرمة المعلَّقة على الغليان بينما نتيجة الاستصحاب الثاني هي الحلّية الفعلية للزبيب، وهذه الحلّية الفعلية وإن كانت موجودة ولكنها لا تتنافى مع الحرمة المعلَّقة، وعلى هذا الأساس لا يصير الاستصحاب الثاني حاكناً على الاستصحاب الأول، بل الأول هو الحاكم على الثاني، ولكن هذه حكومة لا بالمعنى الأصولي بل بالمعنى العرفي، يعني متى ما اجتمع عند العرف أصلان ونتيجة أحد الأصلين تنفي الثاني ونتيجة الثاني لا تعارض الأول فالأول هو المقدم في النظر العرفي، لأنه ينفي الثاني والثاني لا ينفي الأول، فإذاً يكون الاستصحاب الأول هو الحاكم ]][1] .


[1] هذا ما ذكره الشيخ الاستاد في المحاضرة التالية لبيان كون الاستصحاب الأول حاكماً على الاستصحاب الثاني، وترك ما بينه في هذه المحاضرة فحذفناه من هذا الموضع وأبدلناه بهذا البيان، فلا يحصل الاشتباه عند المقارنة بين التقرير وبين التسجيل الصوتي لهذه المحاضرة/ المقرر.