الأستاذ الشيخ باقر الايرواني

بحث الأصول

43/06/21

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع: - التنبيه الثاني ( هل الاستصحاب التعليقي حجة أو لا ؟) - تنبيهات الاستصحاب - مبحث الاستصحاب - الأصول العملية.

الوجه الثاني لإثبات عدم حجية الاستصحاب التعليقي وحاصله أن يقال: - إنَّ الحرمة المشروطة[1] لا يمكن استصحابها لا لأنها ليست مجعولة - فإنه لا يلزم في باب الاستصحاب أن يكون المستصحب أمراً مجعولاً وإنما يكفي أن يكون مجعولاً بالتبع - بل لأنها ليست قابلة للتنجّز، فإنَّ القابل للتنجّز هو الحكم الفعلي دون الحكم المعلَّق على شرط، فلا يجري الاستصحاب لهذه النكتة.

إن قلت: - يمكن اثبات فعلية هذه الحرمة المشروطة بعد استصحابها من حالة العنبية من خلال تحقق الشرط - يعني الغليان - فتصير الحرمة فعلية، وعليه سوف تثبت الحرمة الفعلية من خلال استصحاب الحرمة المشروطة بعد ضمّ تحقق الشرط.

قلت: - إنَّ هذا مبني على الأصل المثبت، إذ لا يوجد دليل شرعي يقول إذا كان الحكم المشروط باقياً والشرط قد تحقق فالحكم آنذاك يكون فعلياً، وإنما هو حكم عقلي، وعليه فسوف يكون هذا أصلاً مثبتاً.

ولكن نقول في الجواب:- إنه يكفي في ثبوت التنجّز وصول الكبرى بعد ضمّ الصغرى ولا يلزم اثبات كون الحكم فعلياً لكي يتنجّز فإنَّ هذا ليس بمهم، بل المهم أن تكون الكبرى ثابتة - يعني ( العصير إن غلى حرم ) - فهذا الجعل ثابت والشرط متحقق هو الغليان، فبعد ثبوت بقاء الشرطية إلى حالة الزبيبية بالاستصحاب وضم الغليان فسوف لا نحتاج إلى الفعلية وإنما يكفينا حصول التنجّز من خلال وصول الكبرى بالاستصحاب وتحقق الصغرى بالوجدان - وهي الغليان - لأننا أتينا بالنار ووضعناها تحت العصير الزبيبي، وهذا المقدار يكفي للتنجّز من دون حاجة إلى افتراض سبق مرحلة الفعلية، وإنما نحن نستصحب تلك القضية الشرطية - وهي ( العصير العنبي إن غلى حرم ) - إلى حالة الزبيبية، فهذا الجعل قد ثبت بقاءه في حالة الزبيبية، ثم نحقق الشرط وهو الغليان، وهذا المقدار يكفي عقلاً لثبوت تنجّز الحكم، فإنَّ كل حكم يتنجّز بوصول كبراه وتحقق صغراه، والكبرى قد وصلت بالاستصحاب، والصغرى قد تحققت بالوجدان، وهذا يكفي لثبوت التنجّز من دون حاجةٍ إلى إدخال المصطلحات الأصولية في ذلك، لأنَّ المصطلحات الأصولية قد تكون حجر عثرة، لأننا على أساسها سوف نقول حينما استصحبنا الحرمة المشروطة إلى حالة الزبيبية وحققنا الغليان كيف تثبت أنَّ الحكم وصل إلى مرحلة الفعلية فإنَّ هذا أصلٌ مثبت!!، ولكن نقول:- نحن لا نحتاج في ثبوت تنجّز الحكم إلى إيصاله إلى مرحلة الفعلية بل العقل يقول يكفي في التنجّز وصول كبرى الجعل والتشريع - وهي ( العصير العنبي إن غلى حرم ) - وأما الصغرى وهي الشرط - وهي الغليان - ثابت بالوجدان، وهذا المقدار يكفي لثبوت التنجّز عقلاً من دون حاجة إلى اثبات الفعلية حتى تقول نحن لم نثبت الفعلية وصار المورد من الأصل المثبت فإنَّ كل هذا لا نحتاج إليه وإنما يكفي ما ذكرناه.

الوجه الثالث لعدم حجية الاستصحاب التعليقي: - وهو أنَّ كل استصحاب تعليقي معارض باستصحاب تنجيزي، فيسقطان بالمعارضة، وبالتالي لا يكون الاستصحاب التعليقي جارياً لوجود المعارض.

وفرق هذا الدليل عن الدليلين السابقين:- هو أنَّ الدليلين السابقين لم ينظرا إلى فكرة المعارض وإنما ينظران إلى أنَّ الاستصحاب التعليقي هو يوصل إلى المقصود بقطع النظر عن المعارضة، أما في هذا الوجه فيراد أن يقال سلّمنا أنَّ الاستصحاب التعليقي يجري ورددنا جميع الاشكالات السابقة عليه ولكن يبقى أنه معارضٌ بالاستصحاب التنجيزي، فإنَّ هذا الزبيب نسلّم أنه حالة العنبية يجري استصحاب الحرمة فإنه بلحاظ حالة العنبية يجري الاستصحاب لأنَّ العنب إذا غلى حرم، وأما الآن في حالة الزبيبية إذا غلى فسوف نشك في بقاء الحرمة إلى حالة الزبيبية - والمفروض أننا حسبنا الزبيبية من مراتب العنب لا أنه موضوع وآخر وإلا سوف تصير المناقشة مناقشة في المثال - فهذا الاستصحاب نسلَّم أنه لا مشكلة فيه ولكن توجد مشكلة ثانية وهي أننا نشير إلى الزبيب ونقول هذا الزبيب قبل أن يغلي لم يكن حراماً فإذا غلى نشك في زوال الاباحة السابقة فنستصحب الاباحة، فاستصحاب الاباحة من حالة العصير الزبيبي قبل أن يغلي إلى ما بعد غليانه يعارض استصحاب بقاء حرمة العصير العنبي إلى حالة الزبيبية، فاستصحاب حرمة العصير العنبي إلى حالة الزبيبية يثبت أنَّ ماء الزبيب إذا غلى يحرم، وهذا الاستصحاب الثاني - الذي هو للزبيب - نقول هذا الزبيب قبل أن يغلي هو مباح وأما إذا غلى نشك في اباحته أو عدم اباحته فنستصحب اباحته، فيعارض الاستصحاب الأول فيسقطان بالمعارضة.


[1] أي حرمة العصير العنبي إن غلى نستصحبها إلى حالة الزبيبية.