الأستاذ الشيخ باقر الايرواني

بحث الأصول

43/06/19

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع: - التنبيه الثاني ( هل الاستصحاب التعليقي حجة أو لا ؟) - تنبيهات الاستصحاب - مبحث الاستصحاب - الأصول العملية.

وفي الجواب نقول:- إنَّ التفكيك بين الجعل والمجعول شيء ممكن مادامت القضية اعتبار وليست قضية تكوينية، ولا محذور في أن يثبت الاعتبار الآن والمعتبر يكون متأخراً، فإنَّ هذه مسألة اعتبار والتفكيك في عالم الاعتبار شيء معقول، والأنظمة الرسمية الآن تقول مثلاً ( كل من يبلغ السنَّ الكذائي فعليه خدمة الوطن ) فالتشريع والجعل هو الآن بينما الفعلية - المجعول - يكون متأخراً ، وهذا شيء عقلائي وممكن ولا ومحذور فيه، وإنما المحذور هو في الأمور التكوينية، من قبيل أضربه والانضراب يكون بعد ساعة فإنَّ هذا لا يمكن ولا معنى للتفكيك هنا، أما في مثل الجعل والمجعول الذي هو من القضايا الاعتبارية فالتفكيك معقولٌ، بل هو واقعٌ، والأنظمة الرسمية هي بهذا الشكل كما مثلنا، وأيضاً هو ثابت في الشرع كما في الوصية والتدبير، فأنا من الآن أكتب الوصية وأقول إنَّ مقدار ثلث ما أملكه يصرف في بناء مسجدٍ أو حسينيةٍ أو يصرف للفقراء أو ما شاكل ذلك، فالإنشاء والجعل حاصل الآن ولكن المنشأ والمجعول يكون بعد ذلك، وهذه قضية عرفية وواقعة ولا محذور فيها، وهكذا بالنسبة إلى التدبير بأن يقول المالك ( عبدي حرٌّ بعد وفاتي )، فإنَّ جعل الحرية يكون من حين التدبير ولكن الحرية تتحقق بعد ذلك بهذا الانشاء السابق، فبما أنَّ هذه القضايا اعتبارية فلا محذور في التفكيك فيها، وإنما التفكيك مستحيل في القضايا الحقيقية دون الاعتبارية.

ومن خلال هذا يتضح التأمل فيما أفاده السيد الحكيم(قده) حيث قال: - إنَّ التفكيك بين الجعل والمجعول أوضح استحالةً من التفكيك بين العلَّة والمعلول.

وفي التعليق عليه أن يقال: - إنَّ الجعل والمجعول ماداما في عالم الاعتبار وفي الدائرة المذكورة لا أكثر لا محذور في ذلك، بل هو واقع كما مثلنا بالتدبير والوصية، والقياس على العلّة والمعلول في غير محلّه حيث إنَّ العلية والمعلولية يختصان بالأمور التكوينية، فالقياس هنا في غير محله.

عودٌ إلى ما كنا فيه: - ذكرنا فيما سبق أنه استدل على بطلان الاستصحاب التعليقي بثلاثة بوجوه، الوجه الأول ما ذكره الشيخ النائيني(قده) والسيد الخوئي(قده) وكان مركباً من أربعة شقوق، وقد قلنا قد ناقش هذا الوجه الشيخ الأعظم(قده) والآخوند(قده) ثم ناقشه الشيخ العراقي(قده) والتي انتهيا منها الآن.

المناقشة الثالثة للوجه الأول على بطلان الاستصحاب التعليقي:- ما ذكره الشيخ الاصفهاني(قده)[1] ، والسيد الشهيد(قده)[2] ، وحاصله:- إنَّ المجعول من قبل المولى في مسألة العصير العنبي مثلاً تارةً يكون بنحو القضية الشرطية الثابتة لعنوان العنب أو العصير العنبي، كما لو كان الجعل بلسان ( العصير العنبي يحرم إن غلى ) فهذه قضية شرطية والحكم الشرعي فيها هو ( يحرم إن غلى )، فالحكم بنحو القضية الشرطية ثابت للعنب، وتارةً يفترض أنَّ المجعول ليس بنحو القضية الشرطية كما لو قيل ( يحرم العصير العنبي المغلي )، أو ( العصير العنبي المغلي يحرم )، فالحكم هنا لم يجعل من قبل الشرع بنحو القضية الشرطية، فعلى التقدير الأول فنقول للشيخ النائيني(قده) - لأنه قال لا يمكن جريان استصحاب القضية الشرطية فإنه من خلالها لا تثبت الحرمة الفعلية فلا اثر لاستصحاب الحرمة المشروطة لأنها ليست مجعولة من قبل الشرع والأثر ليس موجوداً إلا بالحرمة الفعلية والحرمة الفعلية لا ثبتت إلا من خلال استصحاب الحرمة المشروطة لإثبات الحرمة الفعلية وهذا أصل مثبت - إنَّ هذا يتم فيما إذا لم تكن الحرمة المشروطة مجعولة من قبل الشرع، أما إذا كانت الحرمة المشروطة مجعولة بنفسها فسوف يجري استصحابها من دون محذور، لأنَّ الحرمة المشروطة مجعولةٌ من قبل الشارع، وكل مجعول من قبل الشارع يجري الاستصحاب فيه، ولا تقل إنَّ استصحاب الحرمة المشروطة لإثبات الحرمة الفعلية هو أصل مثبت، فإنَّ هذا لا نحتاج إليه، وإنما نحن نحتاج إليه فيما إذا فرض أنَّ الاستصحاب لم يكن في شيءٍ مجعول، أما إذا كان الاستصحاب في شيءٍ مجعولٍ من قبل الشرع وهو القضية الشرطية فنستصحب نفس القضية الشرطية وهي سوف تثبت لنا الحرمة الفعلية، لأنَّ التشريع حينما قال ( يحرم العصير إن غلى حرم ) أو ( يحرم العصير العنب إن غلى ) فالمقصود أنه يحرم بالحرمة الفعلية إن غلى، فإذا كان الشارع هو الذي أثبت الحرمة الفعلية عند الغليان فنحن نستصحب هذه الحرمة المشروطة مادام الشرع هو بنفسه قد جعل هذه الحرمة المشروطة، نعم الاشكال يتم على الشيخ النائيني(قده) إذا فرض أنَّ الشرع لم يجعل الحرمة المشروطة كما هو الحال في الشق الثاني وهو ما إذا قال النص ( العصير المغلي حرام ) فالحرمة ثابتة للعصير المغلي من دون قضية شرطية فهنا صحيح أنَّ استصحاب الحرمة المشروطة لا يجري لأنها ليست مجعولة على هذا التقدير، أما على التقدير الأول فهي مجعولة بنفسها، وإذا كانت مجعولة بنفسها يصحّ استصحابها، لأنَّ هذا استصحاب لمجعول شرعي وبالتالي تثبت الحرمة الفعلية أيضاً، لأنَّ المقصود من ( يحرم إن غلى ) يعني يحرم بالحرمة الفعلية، وحينئذٍ تثبت الحرمة الفعلية بالاستصحاب.

وعلق السيد الروحاني(قده)[3] في الردّ على الشيخ الأصفهاني(قده) وقال:- صحيح أنَّ الاستصحاب يجري ولكنه لا ينفع، لأن تلك الحرمة المشروطة ثابتة للعنب الكلي، والذي نريد أن نثبت الحرمة المشروطة له هو هذا العنب الجزئي الشخصي، وحينئذٍ استصحاب الحرمة الثابتة للعنب الكلي - الموضوع الكلي - لإثبات بقائها لهذا العنب الجزئي الشخصي من الأصل المثبت.


[1] نهاية الدراية، ج3، ص89.
[2] بحوث في علم الأصول، السيد الشهيد، ج6، ص288 الحلقة الثالثة، السيد الشهيد، ج2، ص282، 283.
[3] منتقى الأصول، السيد الروحاني، ج6، ص201.