الأستاذ الشيخ باقر الايرواني

بحث الأصول

43/06/18

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع: - التنبيه الثاني ( هل الاستصحاب التعليقي حجة أو لا ؟) - تنبيهات الاستصحاب - مبحث الاستصحاب - الأصول العملية.

وأما المناقشة في البناء فيقال: - لو سلّمنا أنَّ الحكم هو إرادة فنقول إنَّ المولى حينما تكون عنده إرادة فهل يتصور الغليان في مسألة العصير العنبي أو لا يتصوره؟ فإن فرضنا أنه تصوره فهنا سوف يلزم محذوران: -

الأول: - إنه بعد تصور غليان العنب لا يمكن حينئذٍ صيرورة العنب زبيباً، فكيف نستصحب الحرمة إلى حالة الزبيبية فإنَّ هذا تناقض؟!، إذ مادمنا قد تصورنا غليان هذا العنب فحينئذٍ سوف لا يصير زبيباً، وعليه فاستصحاب الحرمة إلى حالة الزبيبية سوف لا يجري، لأنه بعد تصور غليانه لا يمكن أن نتصور كونه زبيباً، فحالة الزبيبية لا يمكن تصورها بعد تصور الغليان فإنَّ هذا تهافت.

الثاني: - إنك إذا تصورت غليانه صارت الحرمة فعلية وليست معلَّقة، فيصير المورد من استصحاب الحرمة الفعلية لا الحرمة المعلَّقة، وهذا خلف المفروض.

وأما إذا لم نتصور الغليان ففي مثل هذه الحالة لا يكون المورد من الاستصحاب التعليقي، لأنه عنبٌ وليس بمغلي، وحينئذٍ لا معنى لجريان الاستصحاب التعليقي لحالة الزبيبية، لأننا افترضنا أنَّ الغليان ليس بموجود، والحرمة لو كانت موجودة فهي تكون موجودةً حين الغليان والحال أنه لا يوجد غليان هنا، فعلى هذا الأساس الحلّية الفعلية تكون هي الثابتة فنستصحب تلك الحلّية، ولا توجد حرمة معلَّقة، لأنَّ الحرمة المعلَّقة فرع تصوّر الغليان، ونحن لم نتصوّر الغليان.

ومن خلال هذا اتضح أنَّ الأوجه في المقام ما ذكره الشيخ النائيني(قده): - من أنَّ الحكم هو اعتبار ويمرّ بمرحلتين، ويعبَّر عن المرحلة الأولى بمرحلة الإنشاء والجعل، ويعبَّر عن المرحلة الثانية بالفعلية، وهذه قضية عقلائية، ولذلك يقال الآن ( كل من بلغ السنَّ الكذائي فعليه خدمة الوطن )، فهذا جعلٌ وإنشاءٌ ولكن لا يطالب هذا الشخص بأداء الخدمة مادام بَعدُ لم يبلغ السنَّ القانوني المحدَّد، أما إذا بلغ السنَّ القانوني فسوف يطالبونه بالخدمة، وهذا معناه أنه وصل إلى مرحلة الفعلية، فإذاً كون الحكم ينحل إلى مرحلة جعلٍ ومرحلة مجعول شيء عقلائي.

وقد يشكل ويقال:- إنه بناءً على هذا سوف يلزم التفكيك بين العلَّة والمعلول، لأنه على رأي الشيخ النائيني(قده) سوف يتحقق الجعل قبل فترة كسنةٍ أو سنتين أو ثلاث أو أكثر لكن الفعلية سوف تتحقق بعد ذلك، فكيف تتحقق الفعلية الآن والحال أنَّ الجعل قد تحقق وانتهى سابقاً فإنَّ هذا انفكاك بين المعلول والعلَّة؟!!، فإنَّ العلَّة هي الجعل وهي قد تحققت قبل خمس سنوات مثلاً وأما المجعول فهو يحصل الآن وهذا من تحقق المعلول من دون علَّة، لأنَّ العلَّة ليست موجودة الآن، لأنَّ الجعل كان في لحظةٍ متقدّمةٍ وقد حصل وانتهى، مثل ﴿ ولله على الناس حج البيت من استطاع إليه سبيلا ﴾، فكيف تصير فعلية وجوب الحج الآن والحال أنَّ جعل الحج كان حاصلاً ومتقدَّماً على الفعلية بفترةٍ طويلة، فمن أين تتولد هذه الفعلية؟، فهل تتولد من الجعل الذي صدر وانتهى؟ فإنَّ الجعل قد انتهى وهو الآن عدمٌ، فكيف يتحقق المعلول رغم كون العلَّة معدومة في حال تحقق الفعلية فإنَّ هذا تفكيك بين العلَّة والمعلول؟