الأستاذ الشيخ باقر الايرواني

بحث الأصول

43/06/14

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع: - التنبيه الثاني ( هل الاستصحاب التعليقي حجة أو لا ؟) - تنبيهات الاستصحاب - مبحث الاستصحاب - الأصول العملية.

الجواب الثالث:- ما ذكره السيد الحكيم(قده)[1] في مسألة حرمة الزبيب بالغليان، حيث قال:- إنَّ الشرط دائماً هو تصوّر الغليان لا الغليان الخارجي، وحيث إنَّ تصوّر الغليان ولحاظه موجود دائماً فالحرمة تكون فعلية دائماً، إذ لو لم تكن فعلية يلزم وجود الجعل من دون مجعول وهو أوضح استحالةً من التفكيك بين العلَّة والمعلول،

ولكنه لم يبيّن لماذا هو أوضح استحالة، وفي بيان ذلك نقول:- إنَّه توجد مغايرة بين العلة والمعلول، فالعلَّة غير المعلول، ولكن رغم المغايرة بينهما يستحيل التفكيك بينهما، بينما الجعل والمجعول على رأي الشيخ العراقي والسيد الحكيم(قده) لا توجد بينهما مغايرة بينهما، فالتفكيك بينهما يصير أوضح استحالةً بعدما كان الجعل عين المجعول حقيقةً وإنما يختلف عنه اعتباراً، فلو أمكن التفكيك للزم وجود الجعل بلا مجعول بعدما كانت بينهما عينية وللزم التناقض واجتماع الوجود والعدم، لأنَّ السيد الحكيم يرى أنَّ الجعل والمجعول واحدٌ والارادة دائماً هي فعلية، فإذا كانت الارادة فعلية والحكم هو عبارة عن الارادة فالحكم دائماً هو فعليٌّ بالجعل، فالجعل عين المجعول والتفكيك بينهما أوضح استحالةً من التفكيك بين العلَّة والمعلول.

وقد يشكل على مدرسة الشيخ العراقي(قده) ويقال: - إذا كانت الارادة فعلية دائماً فما الموجب للاستصحاب؟

والجواب: - إنها على رأيهما فعلية حالة العنبية وإن لم يغلِ العنب، وإنما نحتاج إلى الاستصحاب رغم أنها فعلية لفرض طروّ اليبوسة على العنب وصيرورته زبيباً، فيصير ذلك منشأً للشك في بقاء تلك الارادة الفعلية - أو بالأحرى الحرمة الفعلية - وحينئذٍ نستصحب الحكم الفعلي والارادة الفعلية والحرمة الفعلية.

وقد نقض الشيخ العراقي(قده) على الشيخ النائيني(قده) وقال: - إنَّ لازم ما ذكره الشيخ النائيني(قده) أنَّ اللحاظ والتصور إذا لم يكن كافياً في ثبوت فعلية الحكم - كتصور الغليان إذا لم يكن كافياً في فعلية الحرمة وبالتالي في صحة جريان الاستصحاب - لزم عدم إمكان جريان استصحاب نجاسة الماء المتغير إذا زال تغيره من قبل نفسه، لأنه لو فرض وجود ماء وقد تغير بالنجاسة ثم زال تغيره من قبل نفسه فنحن نستصحب النجاسة السابقة، والحال أنه لا يوجد في ماء متغير في الخارج ثم زال تغيره من قبل نفسه، فالعلَّية بالمعنى الذي ذكره الشيخ النائيني(قده) التي هي موقوفة على تحقق الشرط خارجاً - كما في الحج فإنَّ فعلية الوجوب تتوقف على فعلية الاستطاعة خارجاً - فهنا أيضاً الفعلية تتوقف على وجود التغير بالفعل والحال أنَّ الفقيه يتصوَّر هذه المسألة ولا يوجد ماء متغير خارجاً ثم وال تغيره بنفسه، فكيف يجري الاستصحاب بعد فرض عدم وجود نجاسةٍ فعليةٍ سابقاً حتى تستصحب حالة زوال تغير الماء من قبل نفسه؟!! إنَّ هذا إن دلَّ على شيء فإنما يدل على أنه يكفي في صحة الاستصحاب تصور الشيء ولحاظه ولا تتوقف صحته على وجود الشيء الخارجي وإلا يلزم عدم إمكان الفقيه اجراء استصحاب بقاء النجاسة، لأنه لا يوجد عنده ماء بمقدار كرٍّ ثم تغير بالنجاسة ثم زال تغيره إلا بالتصوَّر واللحاظ، وبالتالي هذا تأييد للشيخ العراقي(قده) في أنَّ فعلية النجاسة - التي هي الحكم - تدور مدار تصوّر التغيّر لا على فعلية التغيّر خارجاً.


[1] مستمسك العروة الوثقى، السيد محسن الحكيم، ج1، ص416، في مسألة حرمة الزبيب بالغليان.