الأستاذ الشيخ باقر الايرواني

بحث الأصول

43/06/13

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع: - التنبيه الثاني ( هل الاستصحاب التعليقي حجة أو لا ؟) - تنبيهات الاستصحاب - مبحث الاستصحاب - الأصول العملية.

ثانياً: - سلَّمنا أنَّ الوجود المشروط هو نحو من الوجود لكن الآثار مترتبة على الوجود الفعلي وليس على الوجود التقديري الشرطي، واستصحاب الوجود المعلَّق لإثبات الوجود الفعلي من أوضح أنحاء الأصل المثبت، إذ لا دليل شرعي يقول ( إذا ثبت الوجود المعلَّق وقد حصل المعلّق عليه - وهو الغليان - فقد صار الجزاء فعلياً ) وإنما هو حكم عقلي، فاستصحاب الحرمة المعلَّقة لإثبات الحرمة الفعلية بعد تحقق الغليان هو أصل مثبت إذ الملازمة ليست شرعية.

الجواب الثاني: - ما أفاده الشيخ العراقي(قده)[1] ، فإنه ذكر أنَّ الحكم الشرعي مثل الوجوب ليس اعتباراً وينحل إلى مرتبة جعلٍ ومرحلة مجعول كما ذهب إلى ذلك الشيخ النائيني(قده) وعند تحقق الشرط بالفعل خارجاً بأن غلى العصير العنبي خارجاً فسوف تتحقق الفعلية فمرحلة الفعلية تكون متحققة بتحقّق فعلية الشرط وهو الغليان وأما عند عدم تحقق الفعلية بأن لم يتحقق الشرط بالفعل فهناك جعلٌ فقط - أي إنشاء -، وإنما الحكم عبارة عن الإرادة[2] ، والإرادة لا تتوقف فعليتها على تحقق الشرط خارجاً بل يكفي في فعليتها تحقق الشرط تصوّراً، وإنما تحقق الشرط خارجاً يكون لازماً في فاعلية الارادة ومحركيتها، ففعلية الارادة تتحقق بتصور الموضوع والشرط وليس بوجود الشرط خارجاً، وإنما فاعليتها هي التي ترتبط بتحقق الشرط خارجاً، فمثلاً أنا الآن أتصور الحج وأتصور أني مستطيع له فهنا الارادة للحج موجودة ومتحققة، ولذلك ترى البعض قبل أشهر الحج عنده إرادة للحج أي الارادة بمعنى الشوق المحرك، فهو يتصوَّر الحج ويتصوَّر الاستطاعة فتحصل عنده الارادة، نعم إنما تحركه الإرادة فعلاً نحو الحج ويذهب لتسجيل اسمه مع الحجّاج فيما إذا جاءه مالٌ بمقدار الاستطاعة، يعني تصير تلك الارادة وذلك الشوق محركاً له نحو الذهاب إلى الحج وسوف يذهب ويسجل اسمه مع من يريد الذهاب إلى الحج، وعلى هذا الأساس نقول مادام الحكم عبارة عن ارادة، والارادة فعلية دائماً بسبب فعلية شرطها - وهو تصور الشرط - فالوجوب يكون محقَّقاً وفعلياً غايته لا تكون له فاعلية ومحركية إلا بعد تحقق الشرط خارجاً، وبناءً على هذا يكون استصحاب الحكم المعلَّق جارياً بلا إشكال، لأنَّ الحكم عبارة عن إرادة، والإرادة هي فعلية دائماً فإنَّ شرطها هو تصوّر الشرط لا الوجود الخارجي للشرط، وإنما الوجود الخارجي للشرط هو شرط للفاعلية، فإذا كانت الإرادة فعلية دائماً فالحرمة - الحكم - موجودة وفعلية، فحالة العنبية موجودة، فإذا كانت موجودة فحينئذٍ يجري استصحابها من دون محذورٍ بعدما كانت فعلية، غايته لا تكون لها فاعلية.

ولا تقل: - إنه إذا أجرينا الاستصحاب فحينئذٍ سوف تصير الحرمة فاعلية.

ولكن نقول: - إنها ليس لها فاعلية لا أنها ليست لها فعلية، فجري الاستصحاب من دون محذور.

فإذا الفرق بين كلام الشيخ النائيني(قده) وبين كلام الشيخ العراقي(قده) واضح:- فإنَّ الشيخ النائيني(قده) يقول إنَّ الحكم عبارة عن اعتبار والاعتبار ينقسم إلى جعل ومجعول، الجعل لا شك في بقائه، والمجعول - أي الفعلية - ليست بثابتة حتى يمكن استصحبها، وأما الشيخ العراقي(قده) فيقول إنَّ الحكم هو ارادة، وهي فعلية دائماً بفعلية شرطها، لأنَّ شرط الإرادة الفعلية هو تصوّر الشرط، نعم شرط فاعليتها هو الوجود الخارجي للشرط، ومادامت الإرادة فعلية فالحكم يكون فعلياً، فيستصحب الحرمة الفعلية من حالة العنبية إلى حالة الزبيبية من دون إشكال.


[1] نهاية الأفكار، العراقي، ج4، ص167.
[2] فهو فسّر الحكم بالإرادة.