الأستاذ الشيخ باقر الايرواني

بحث الأصول

43/06/11

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع: - التنبيه الثاني ( هل الاستصحاب التعليقي حجة أو لا ؟) - تنبيهات الاستصحاب - مبحث الاستصحاب - الأصول العملية.

وبعد اتضاح المقصود من الاستصحاب التعليقي نقول: - اختلفت كلمات الأعلام في حجيته وعدمها، ونقل الشيخ الأعظم(قده)[1] عن السيد محمد المجاهد ووالده صاحب الرياض(قده) إلى أنهما اختارا عدم جريان الاستصحاب التعليقي، بينما اختار الشيخ الأعظم والآخوند الخراساني والمحقق العراقي(قده) الجريان، واختار الشيخ النائيني والسيد الخوئي(قده) عدم الجريان.

وقبل الدخول في صلب الموضوع نذكر قضيتين: -

القضية الأولى: - إنَّ من بنى على عدم جريان الاستصحاب في الشبهات الحكمية - أي في الحكم الكلي - كالسيد الخوئي والشيخ النائيني(قده) لا يجري عندهم مثل هذا الاستصحاب، يعني لا يمكن أن نستصحب حرمة العصير إذا غلى من حالة العنبية إلى حالة الزبيبية لقضيةٍ أخرى قبل أن تصل النوبة إلى الاستصحاب تعليقي وأنَّه لا يجري وهي أنه استصحاب حكمي، فهو لا يجري من ناحية أنه استصحابٌ في الحكم الكلي، والسيد الخوئي(قده) حينما يدخل في البحث عن هذه المسألة يفترض أنَّ الاستصحاب في الأحكام الكلّية يجري، أما إذا افترض عدم جريانه - حسب مبناه - فهو من البداية لا يجري، لأنَّ الشبهة حكمية قبل أن تصل النوبة إلى كونه استصحاباً تعليقياً، وينحصر الاستصحاب التعليقي على رأي السيد الخوئي(قده) في الشبهات الموضوعية التي فيها تعليق، أما الشبهات الحكمية التي هي الطابع العام للاستصحاب التعليقي فلا يجري إلا مع غضّ النظر عن مبناه.

القضية الثانية: - توجد مشكلتان في مثال استصحاب حرمة العصير العنبي إذا غلى إلى حالة الزبيبية: -

المشكلة الأولى: - هي أنه يمكن أن يقول قائل إنَّ الاستصحاب هنا لا يجري لاختلاف الموضوع، يعني أنَّ الموضوع سابقاً للحرمة المعلقة هو العنب وأما في فترة الشك هو الزبيب، والزبيب يغاير العنب بالنظرة العرفية، ولذلك إذا قال لك شخص جئني بزبيبٍ فأتيته بالعنب فسوف يرفض ذلك ويقول أنا لم أطلب العنب وإنما طلبت الزبيب، فإذاً هذا الاستصحاب لا يمكن اجراؤه في هذا المثال من ناحية اختلاف الموضوع.

ولكن نقول: - نعم الأمر كما تقول، ولكن لنغضّ النظر عن هذه الناحية ولنفترضهما واحد حتى يسير البحث.

القضية الثانية: - لو تنزّلنا وسلّمنا بأنَّ العنب والزبيب عرفاً شيء واحد ولكن مع ذلك يبقى الاشكال في هذا المثال، وذلك لأنَّ الروايات التي دلت على الحرمة هي قد دلت على حرمة العصير العنبي إذا غلى، والزبيب ليس فيه عصير، لأنَّ العصير بمعنى المعتَصَر، فلا تكون شاملة له، من قبيل صحيحة عبد الله بن سنان عن أبي عبد الله عليه السلام:- ( كل عصيرٍ أصابته النار فهو حرام حتى يذهب ثلثاه ويبقى ثلثه )[2] ونحوها غيرها، فالوارد في الأدلة هو عنوان العصير، وهو لا ينطبق على الزبيب، فإنَّ الزبيب ليس فيه رطوبة وبلل حتى يُعتَصَر، وإنما هو جاف.

ولكن رغم هذا كله يبقى المثال نفسه نافعاً ولا مشكلة فيه، لأنَّ الاشكال عليه من هذه الناحية لا يؤثر على المطالب الآتية شيئاً.

وأما صلب الموضوع: - فمرةً نتكلم في دليل القائل بجريان الاستصحاب التعليقي، وأخرى نتكلم في دليل القائل بعدم جريانه: -

أما الدليل على الجريان: - فهو التمسك بإطلاق الأدلة، كإطلاق ( لا تنقض اليقين بالشك )، فإنَّ مقتضى اطلاقه الشمول لكلا الاستصحابين - المتعارف والتعليقي - مع فرض أنَّ الزبيب والعنب من الحالات المتبادلة على موضوعٍ واحد.

وأما الدليل على عدم الجريان: - فيمكن ذكر عدّة أدلة، ولعلها ثلاثة: -

الدليل الأول: - إنَّ المستصحب الذي نريد أن نستصحبه حالة غليان العصير الزبيبي إما هو الجعل، أو المجعول، أو الحكم بنحو القضية الشرطية لإثبات الحرمة الفعلية، أو سببيَّة الغليان للحرمة.

أما الجعل: - فلا معنى لاستصحابه، لأنه لا شك لنا في بقائه، إذ المراد من الجعل هو التشريع والإنشاء، ونحن لا نحتمل أنَّ الحرمة عن العنب إذا غلى قد زالت، فنحن لا نحتمل زوال الجعل حتى نستصحب بقاءه، وإنما الجعل إنما يستصحب فيما إذا احتملنا النسخ، وهنا لا يحتمل النسخ، وإنما هو موجود ولكن استصحاب الحرمة للعنب هل يجري إذا صار العنب زبيباً ونقول هذا سابقاً كان لو غلى لحرم والآن أيضاً يحرم، فأصل الجعل لا نشك في بقائه حتى نحتاج إلى استصحابه.

وأما المجعول - أي الحرمة الفعلية -: - فهذا قد أجبنا عنه فيما سبق وقلنا إنَّ الحرمة الفعلية لم تثبت سابقاً حتى نستصحب بقاءها، إذ تكون ثابتة إذا غلى العنب، وحينما يغلي العنب فسوف لا يصير زبيباً حتى يجري الاستصحاب إلى حالة الشك - أي إلى حالة صيرورته زبيباً - فلا يمكن أن تصوّر استصحاب الحرمة الفعلية، إذ لا توجد سابقاً حرمة فعلية إلا عند الغليان بالفعل، وإذا غلى لم يصر زبيباً حتى يجري الاستصحاب.


[1] تراث الشيخ الأنصاري ( فرائد الأصول )، الأنصاري، تسلسل26، ص222.
[2] وسال الشيعة، العاملي، ج25، ص282، أبواب الأشربة المحرمة، ب2، ح1، ط آل البيت.