الأستاذ الشيخ باقر الايرواني

بحث الأصول

43/06/06

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع: - التنبيه الأول ( استصحاب القهقرى والاستصحاب الاستقبالي ) - تنبيهات الاستصحاب - مبحث الاستصحاب - الأصول العملية.

ثانياً:- إنَّ هذا الاشكال يتم فيما لو فرض أنَّ استصحاب القهقرى كان حجةً بقطع النظر عن المعارضة، ولكنه في نفسه ليس بحجة لما أشرنا من قصور الأدلة على حجيته، وعليه فلا يكون طرفاً للمعارضة مع الاستصحاب الاستقبالي، وإنما نحن ذكرنا هذا المطلب من باب أننا نريد أن قول إنَّ استصحاب القهقرى ليس بحجة من ناحيتين من ناحية قصور الدليل ومن ناحية المعارضة، وهذا جواب تنزلي وهو أنه دائماً معارض بالاستصحاب المتعارف، ولكن هذا لا يعني أنَّ الاستصحاب المتعارف سوف يسقط عن الحجية لأنَّ هذا الجواب الثاني جواب تنزّلي - أي لو سلمنا بتمامية الدليل على حجية استصحاب القهقرى فهو معارض بالاستصحاب المتعارف - ولكن نحن لا نسلّم بذلك لما أشرنا إليه من أنَّ روايات ( لا تنقض اليقين بالشك ) منصرفة إلى الاستصحاب المتعارف.

والخلاصة: - إنَّ استصحاب القهقرى ليس بحجة، والدليل على ذلك أولاً هو القصور في المقتضي، وثانياً إنه حتى لو سلّمنا تمامية المقتضي ولكنه معارض دائماً بالاستصحاب المتعارف فإذاً هو ليس بحجة.

ولكن نستثني حالة واحدة نقول فيها بحجية استصحاب القهقرى:- وهي ما إذا فرض أنَّ اللفظ - أي لفظٍ كان - ظاهراً في معنىً معين في زماننا كصيغة الأمر فإنها ظاهرة في الوجوب في زماننا، فمادامت ظاهرة في الوجوب في زماننا فنبني على أنها حينما صدرت في النص قبل ألف سنة مثلاً فهي دالة على الوجوب أيضاً، وهذا واقعه يرجع إلى استصحاب القهقرى، يعني مادامت ظاهرة الآن بالوجوب ومعناها هو الوجوب فإذاً في الزمن السابق كان معناها الوجوب أيضاً، لأنَّ ظهورها في الوجوب ثابتٌ الآن ونشك في ظهورها في الوجوب في الزمن السابق فنبني على أنها ظاهر في الوجوب في الزمن السابق، وهذا هو استصحاب القهقرى.

وقد تسأل وتقول: - كيف نوجّه استثناء هذه الحالة من قاعدة عدم حجية استصحاب القهقرى، فما هو الدليل على ذلك؟

وفي الجواب نقول: - إنَّ الدليل على هذا الاستثناء أمورٌ أربعة: -

الأمر الأول:- سيرة العقلاء، فإنها جرت على العمل بالظواهر مطلقاً وليس ظاهر الكلام الصادر متأخراً فقط وإنما جرت على العمل بذلك حتى في الكلام الصادر في زمنٍ متقدّم، فنحن نراجع نهج البلاغة ونقرأ خطب أمير المؤمنين عليه السلام ونفهم منها معنىً معّين ونطبّق ذلك المعنى، وهكذا نقرأ الصحيفة السجادية وغير ذلك، وسيرة العقلاء جارية على ذلك، وحيث لا ردع عنها فيثبت بذلك إمضاؤها، وبذلك نخرج بنتيجة وهي أنَّ هذه الحالة مستثناة إلا أن يحصل اليقين أو الاطمئنان على الخلاف، وإلا فلو رفضنا هذا فيلزم أن لا نقرأ القرآن الكريم ولا نهج البلاغة ولا غير ذلك لأنه لا يجوز العمل بظواهرها لأنه لا مثبت لكون الظواهر التي نفهما الآن هي ثابتة في ذلك الزمان، ولكن حيث إنَّ هذه السيرة ممضاة فيثبت بذلك حجيتها.

الأمر الثاني: - سيرة أصحاب الأئمة عليهم السلام، فإنَّ أصحاب الامام الهادي والعسكري عليهما السلام كانت على العمل بظواهر الأحاديث الصادرة من الأئمة السابقين، وهذه سيرة متشرعية ثابتة، وبالتالي يثبت بها المطلوب وهو أنه متى ما كانت النصوص ظاهرة في معنىً معين في زماننا فنبني على أن نفس هذا المعنى موجود في الزمن السابق، فهم كانوا يتمسكون بظاهرها ويعملون بها وبالتالي يبنون على أنَّ ذلك الظهور كان موجوداً في زمن الأئمة التي صدرت منهم هذه النصوص، وبذلك يثبت أنه يكفينا لجواز العمل بهذه النصوص أن نثبت الظهور في زماننا، وبالتالي يثبت أنَّ استصحاب القهقرى ثابتٌ وحجة في هذا المورد.

الأمر الثالث: - حديث الثقلين، حيث أمرنا النبي صلى الله عليه وآله بالتمسك بالكتاب والسنَّة الشريفين وقال: - ( ما إن تمسكتم بهما لن تضلوا بعدي أبداً )، وهذا يدل بوضوح على أنَّ الظهور في كل زمان هو حجَّة ولا يغاير الظهور في زمن النص، فنفس الحديث يأمرنا بالتمسك بالظهور، فيثبت بذلك المطلوب.

الأمر الرابع: - لا إشكال في أنَّ الاجتهاد واجب في كل زمان من أزمنة الغيبة الكبرى، يعني كما أنَّ التقليد أو الاحتياط واجبٌ فالاجتهاد واجبٌ أيضاً، يعني لابد أن تجتهد ثلَّة من المؤمنين، إذ لو لم يكن هناك اجتهاد ومجتهد فالتقليد لا يكون ممكناً وينحصر الأمر حينئذٍ بالاحتياط، والاحتياط غير ممكنٍ لكلّ أحد، بل لا يعرف مورد الاحتياط أحياناً إلا من قبل المجتهد، وإذا ثبت وجوب الاجتهاد فيلزم من ذلك حجية ظهور النصوص الثابت في زماننا ونبني على أنه نفس الظهور الموجود في زمن صدور النص، وبذلك ثبتت حجية استصحاب القهقرى.