43/06/04
الموضوع: - التنبيه الأول ( استصحاب القهقرى والاستصحاب الاستقبالي ) - تنبيهات الاستصحاب - مبحث الاستصحاب - الأصول العملية.
تنبيهات
بعد أن استدل الشيخ الأعظم(قده) في الرسائل على حجية الاستصحاب بالروايات وغيرها عقد تنبيهات، وكان بعضها يشتمل على مطالب علمية وابتلائية كما سوف نرى: -
التنبيه الأول: - استصحاب القهقرى والاستصحاب الاستقبالي.
ينقسم الاستصحاب بلحاظ المستصحب إلى ثلاثة أقسام: -
القسم الأول: - الاستصحاب المتعارف والمرتكز في الأذهان، وهو أن يكون المتيقن ثابتاً في الزمان السابق والشك في زمان الحال، كما لو فرض أنَّ المكلف توضأ صباحاً وبعد ساعتين شك في بقاء وضوئه، فالمستصحب هنا ثابت في الزمن السابق والشك حاصلٌ الآن، وبتعبيرٍ آخر: - اليقين بالمستصحب ثابتٌ في الزمن السابق والشك في زمن الحال.
القسم الثاني: - ما يكون فيه المستصحَب - المتيقن - ثابتاً الآن والشك يكون بلحاظ الاستقبال، كما لو فرض أنَّ المكلف كان قادراً على الحج وكان المال حاصلاً عنده ولكن شك هل يبقى قادراً إلى نهاية الحج أو لا، فالمتيقن الآن والشك يكون بلحاظ الزمن الآتي، فهل نتمكن من استصحاب بقاء القدرة إلى الزمن المستقبل أو لا، وهذا ما يعبر عنه بالاستصحاب الاستقبالي.
القسم الثالث: - أن يكون الأمر بالعكس، بأن يكون المتيقن ثابتاً في زمن الحال ولكن يشك في أنه حدث سابقاً أو أنه حدث الآن، كما لو فرض أني رأيت النجاسة الآن على ملابسي ولا أدري متى حدثت فهل حدثت الآن حتى أقوم بتطهيرها وينتهي الأمر أو أنها حدثت منذ أمس أو قبله وحينئذٍ تنجَّست وسائل الدار لأنَّ هذه الملابس قد لامست أماكن متعددة منها فلابد من تطهير تلك الأماكن؟، فالمتيقن الآن والمشكوك يكون بلحاظ الزمن الماضي، فإن قلنا بأنَّ الاستصحاب حجَّة فسوف نستصحب هذا المستصحب الثبت الآن إلى الزمن الماضي ويعبَّر عنه باستصحاب القهقرى.
ولأجل أن يتضح المطلب نذكر بعض الأمثلة للاستصحاب الاستقبالي وبعض الأمثلة لاستصحاب القهقرى: -
أما أمثلة الاستصحاب الاستقبالي: -
المثال الأول: - ما لو رأت المرأة نزول الدم الآن ولا تعلم أنه يستمر ثلاثة أيام حتى يكون حيضاً أو لا يستمر حتى يكون استحاضة، فإن قلنا بحجية الاستصحاب الاستقبالي فسوف يجري استصحاب بقائه إلى ثلاثة أيام فيكون حيضاً.
المثال الثاني: - الدم الذي تراه المرأة بعد أيام العادة، فإذا كانت عادة المرأة ستة أيام ولكن بقي الدم مستمراً، فإن فرض أنه يبقى مستمراً وينقطع قبل العشرة فقد حكم المشهور عليه بالحيضية، وإن بقي مستمراً إلى ما بعد العشرة فيحكم عليه بالاستحاضة لأنَّ دم الحيض لا يستمر أكثر من عشرة أيام، فإن قلنا بحجية الاستصحاب الاستقبالي فلازمه أنَّ الدم سوف يبقى إلى ما بعد العشرة، فيحكم على الدم الزائد عن أيام العادة بكونه استحاضة.
المثال الثالث: - استصحاب العذر إلى المستقبل، كما لو فرض أنَّ مكلفاً كان معذوراً من أداء الصلاة من قيام ولكن لا يدري هل سيستمر عذره إلى آخر الوقت فيصلي من أوّل الوقت من جلوس أن أنه لا يستمر فيلزمه أن ينتظر إلى وقت ارتفاع العذر فيصلي من قيام، فإن قلنا بحجية الاستصحاب الاستقبالي فسوف يثبت له أنَّ العذر موجود ومستمر إلى نهاية الوقت فحينئذٍ يصلي من جلوس ولو في أوّل الوقت، وإن قلنا بعدم جريانه فسوف لا يتمكن المكلف من الصلاة من جلوس لأنه لا مثبت لاستمرار العذر.
المثال الرابع: - إنَّ المحرم لا يجوز له قطع الشعر في حالة الإحرام ولكن لو أراد أن يحك رأسه وشك هل يسقط شعر بالحك أو لا - لأنه إن سقط الشعر فلا يجوز الحك وإن لم يسقط جاز له الحك - فإن قلنا بحجية الاستصحاب الاستقبالي فحينئذٍ يجري في حقه ويثبت أنه لا يسقط الشعر بالحك فيجوز له حك البدن حينئذٍ.
المثال الخامس: - إذا صامت المرأة وشكت هل يفاجئها الحيض قبل الغروب أو لا، فإن قلنا بحجية الاستصحاب الاستقبالي فسوف يثبت به أنه لا يأتيها الحيض إلى الغروب فيجب عليها الصوم، وإن قلنا بعدم حجيته فسوف يشكل الأمر في وجوب الصوم عليها.
المثال السادس: - من كان مستطيعاً للحج ولكنه يحتمل أنه سوف يمرض أو يموت قبل إكمال الحج، ففي مثل هذه الحالة إذا قلنا بحجية الاستصحاب الاستقبالي فسوف يؤمّنه من المرض أو الموت إلى آخر الحج.
المثال السابع: - لو أراد المكلف أن يصلي فشَرْطُ وجوب الصلاة بقاء القدرة والحياة إلى آخر الصلاة، وما يدريه أن يبقى حياً قادراً إلى آخر الصلاة!، فإن قلنا بحجية الاستصحاب الاستقبالي فسوف يثبت من خلاله بقاء الحياة والقدرة إلى نهاية الصلاة فتجب عيه الصلاة، وإن قلنا بعدم حجيته فسوف يكون الأمر مشكلاً ولابد من سلوك طريقٍ آخر وإلا فقد تتغير النتيجة.
وأما أمثلة استصحاب القهقرى: -
المثال الأول: - إذا كانت المرأة صائمة وبعد أن دخل وقت الافطار كشفت عن حالها فوجدت أنَّ دم الحيض قد نزل عليها ولكنها لا تدري هل نزل بعد الغروب حتى يكون صومها صحيحاً أو نزل قبل الغروب فيكون صومها باطلاً؟، فإن قلنا بجريان استصحاب القهقرى فحينئذٍ يثبت بذلك أن الدم نازل قبل الغروب فيكون صومها باطلاً، وإن قلنا بعدم جريانه فحينئذٍ تجري أصالة عدم نزوله قبل الغروب وبالتالي يثبت صحة صومها وتشك في اشتغال ذمتها بقضائه فتنفيه بأصل البراءة بعد عدم المثبت لنزوله قبل الغروب، لأنَّ المثبت لنزوله قبل الغروب هو استصحاب القهقرى فإن نبينا على حجيته فسوف يثبت أنها مفطرة ولم تصم هذا اليوم بالشكل الشرعي الصحيح، وأما إذا قلنا بعدم حجيته فلا مثبت لنزول الدم قبل الغروب وعليه فسوف تبني على الصحة ولا أقل تشك في وجوب القضاء فتجري أصالة البراءة عن وجوب القضاء.
المثال الثاني: - من كان عنده أرباحاً ثابتة الآن ويشك في بداية حصولها وأنها هل حصلت بعد انتهاء السنة الخمسية فلا يجب الخمس في هذا الربح أو أنها حصلت في أثناء السنة الخمسية فيجب تخميسها - بناءً على أنَّ السنة الواحدة لمن جعل لأمواله رأس سنةٍ واحد يكفي - فعلى هذا الأساس الربح حاصل الآن ولكن لا يدري هل حصل الربح أثناء السنة أو بعد نهايتها، فإن كان استصحاب القهقرى حجة فبجريانه سوف يثبت وجوب تخميسه.
المثال الثالث: - من استيقظ في قضاء شهر رمضان ورأى نفسه محتلماً وشك في تحقق الاحتلام بعد الفجر كي يكون صومه صحيحاً أو قبل الفجر كي يكون صومه باطلاً - بناءً على أنَّ الإصباح جنباً في قضاء شهر رمضان يكون مبطلاً له - فإن قلنا بحجية استصحاب القهقرى فسوف يثبت أنَّ الاحتلام قد حصل قبل الفجر وعليه فسوف يكون صومه القضائي باطلاً.