الأستاذ الشيخ باقر الايرواني

بحث الأصول

43/05/29

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع: - الأقوال في حجية الاستصحاب - مبحث الاستصحاب - الأصول العملية.

وفي مقام التعليق نقول:- إنَّ ما ذكره مبنيٌّ على أنَّ النقض مسندٌ إلى المتيقن فآنذاك يقال إنَّ نقض المتيقن له فردان بالبيان الذي ذكره، أما إذا كانت النسبة إلى نفس اليقين، ففي الرواية نسب النقض إلى اليقين وقيل ( لا تنقض اليقين )، واليقين له استحكام بأعلى الدرجات، فالنقض استعمل مسنداً إلى اليقين واليقين له اقتضاء الاستمرار والبقاء ولا معنى لملاحظة المتيقن، وعليه فسوف ينهدم كل ما ذكره فإنه مبنيٌّ على أنَّ كلمة النقض مسندة إلى المتيقن والحال أنها مسندة إلى نفس اليقين، وفي مثل هذه الحالة نقول بما أنَّ اليقين له استحكام قوي جداً فعلى هذا الأساس تكون نسبة النقض له صحيحة سواء كانت النسبة حقيقية أو مجازية فإنَّ هذا لا يؤثر - لأنَّ الشيخ الأعظم(قده) يقول إنَّ هذه نسبة مجازية لأنَّ النقض خاص بالأمور المحسوسة ولكن نقول إنه حتى لو كانت النسبة مجازية ولكن هذا لا يؤثر - ولكن لا حاجة إلى أن ننظر إلى المتيقن، فلماذا جعلت النقض مسنداً إلى المتيقَّن والحال أنَّ الرواية تقول ( لا تنقض اليقين )، وبناءً على ملاحظة النسبة الموجودة في الرواية - أي نسبة النقض إلى نفس اليقين - فلا يلزم أن يكون المتيقن له استعداد البقاء أو ليس له ذلك فإنَّ هذا ليس بمهم لأنَّ النقض أسنِد إلى نفس اليقين، وما ذكره يتم فيما لو استعملت كلمة اليقين بمعنى المتيقَّن أي إذا كان الاسناد إلى المتيقن، فما ذكره واضح التأمل لما أشرنا إليه.

نعم نسلّم أنَّ كلمة اليقين قد استعملت كمرآة، ولكنها مرآة إلى أفراد اليقين لا أنها مرآة إلى المتيقن، وما أفاده مبنيٌّ على أنَّ كلمة اليقين قد استعملت مرآةً للمتيقن، ونحن نسلَّم بالمرآتية ولكن مرآة إلى اليقين وليس إلى المتيقن، ونسبة النقض إلى اليقين نسبة حقيقية لما في اليقين من استحكام من دون حاجةٍ إلى ملاحظة المتيقن.

وقد تنبى الشيخ النائيني(قده)[1] هذا التفصيل إلا أنه ذكر توجيهاً آخر غير ما ذ كره الشيخ الأعظم(قده):- ونبيّن ما ذكره في ثلاث نقاط:-

النقطة الأولى: - إنَّ النهي عن النقض يراد منه النهي عن النقض العملي أي في مقام العمل، فإنَّ اليقين يقتضي الجري العملي عليه، فمن تيقن بشيءٍ يجري عملاً على مقتضى يقينه أو متيقنه، فإذا كان على يقينٍ بكونه متطهّراً فسوف يجري عليه عملاً فيصلي ويمسّ كتابة المصحف الشريف وما شاكل ذلك، فالمقصود من النهي عن النقض هنا هو النهي عن النقض العملي، أي في مقام العمل سر على طبق اليقين ولا تتوقف على طبقه عملاً لمجرّد حدوث الشك.

النقطة الثانية: - إنَّ اليقين إنما يقتضي الجري العملي على وفق المتيقن فيما إذا كان المتيقن له قابلية الاستمرار، كما في الطهارة فإنَّ لها قابلية الاستمرار، فإذا حصل لي يقين بالطهارة فيكون مقتضى هذا اليقين الجري العملي على طبق هذا المتيقن مادام له اقتضاء البقاء، وأما إذا لم يكن للمتيقن اقتضاء البقاء كخيار المجلس فإنَّ اقتضاءه للبقاء مادام المجلس باقياً، فإذا كان لي يقين بخيار المجلس فهو ينتقض بشكلٍ قهريٍ عند مفارقة المجلس، بخلاف اليقين بالطهارة فإنَّ له اقتضاءٌ عملي للاستمرار إلى الأبد.

النقطة الثالثة: - وهي ليست دخلية في أصل المطلب وإنما ذكرها لدفع إشكال مقدَّر، وحاصلها: - نحن فسَّرنا المقصود من النقض بالنقض العملي ولم نبقَ مع ظاهر الحديث حيث نسب النقض إلى نفس اليقين لإنَّ اليقين قد انتقض بشكلٍ قهريٍ بسبب الشك، فإذاً لابد وأن يكون المقصود من النهي عن النقض هو النقض في مقام العمل، يعني إذا طرأ عليك شك فابقَ في مقام العمل كما كنت متيقناً قبل أن يطرأ الشك، فالمراد هو النهي عن النقض العملي.

وأساس هذه المقدَّمات وأهمها هو المقدّمة الثانية.


[1] فوائد الأصول، النائيني، ج4، 373- 377.