الأستاذ الشيخ باقر الايرواني

بحث الأصول

43/05/22

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع: - الأقوال في حجية الاستصحاب - مبحث الاستصحاب - الأصول العملية.

وفي مقام التعليق نقول: - إنَّ حديث ( لا تنقض اليقين بالشك ) لا يمكن الاستعانة به لإثبات جريان كلا الاستصحابين لولا المعارضة - يعني قابلية المورد لجريان كلا الاستصحابين لولا المعارضة لا يمكن -، ففي مثال وجوب صلاة الجمعة نقول إنَّ كلا الاستصحابين لا يقبلان الجريان بل أحدهما قابل للجريان دون الآخر، فإذا لم يجرِ إلا أحدهما فالمعارضة تكون منتفية آنذاك، أما كيف نثبت أنَّ كل موردٍ من موارد الاستصحاب الحكمي لا يقبل إلا جريان أحد الاستصحابين ولا يقبل جريانهما معاً لو لا المعارضة؟ الوجه في ذلك:- هو أنَّ الأصولي حينما يصير إلى فكرة المعارضة بين هذين الاستصحابين لا يفترض وجود امرأة جالسة معه كما إذا شك في أنَّ الحيض قد انقطع أو لا، فهو لا يفترض وجود امرأة كان ينزل منها الدم لأيامٍ ثم في اليوم السابع احتُمل الانقطاع فآنذاك يجري استصحاب بقاء الحيض وأصالة عدم الجعل الزائد للحيض بل الأمر ليس كذلك، وإنما هو يجريهما في زمانٍ واحدٍ بقطع النظر عن وجود امرأة ولا يفترض أنه يوجد شخص كان يعيش في زمان الحضور والآن يعيش في زمان الغيبة في مثال صلاة الجمعة فنقول بما أنه كان يعيش في زمان الحضور فيجري في حقه استصحاب بقاء الوجوب وبما أنه يعيش في زمان الغيبة يجري في حقه أصل عدم الجعل الزائد، كلا وإنما الفقيه أو الاصولي يجري الاستصحابين بقطع النظر عن وجود مرأةٍ أو وجود رجلٍ عاصر كلتا الفترتين، فإذاً كيف يجري الأصولي استصحاب بقاء وجوب الجمعة أو حرمة دخول المسجد أو حرمة الوطئ بالنسبة إلى المرأة مادام لا يفترض أنَّ الشخص كان موجوداً حقيقةً وقد عاصر الفترتين؟ إنه لابد أن يفترض أنه لو كانت عندنا امرأة فهذه المرأة يمكن النظر إليها بنظرتين، فبنظرةٍ كانت أوّلاً محكومة بالحيض وهذا له يقين سابق وشك لاحق واليقين والشك متعاصران، فكانت أوّلاً حائضاً جزماً ويفترض أنَّ الحكم بالحيض له امتداد في حقّ هذه المرأة ويُشَكُّ في بقاء ذلك الحكم بالحيض وحرمة الصلاة مثلاً، فإذاً هو ينظر إلى الحكم بالحيض أو حرمة الصلاة أو وجوب الجمعة وهو يفترض أنَّ هذا صفة لهذا الرجل أو هذه المرأة المعاصر لكلتا الفترتين، فهو كان متّصفاً باليقين بوجوب الجمعة وهذا الوجوب يفترض أنه ممتدّ ويشك الآن في امتداده إلى عصر الغيبة، فلابد وأن ينظر الفقيه إلى الحكم بوجوب صلاة الجمعة بما هو صفة لهذا الرجل وطارئ عليه ويتصف به، فإذا قبلنا بهذا فحينئذٍ نقول إنَّ الذي يجري في المورد هو استصحاب بقاء الوجوب ولا يعارض بأصالة عدم الجعل الزائد، فإنه إذا لاحظناه كصفةٍ للرجل أو للمرأة فسوف يصير له حدوث وبقاء وامتداد، وبالتالي يجري استصحاب البقاء ولا يعارض آنذاك بأصالة عدم الجعل الزائد لأنَّ هذا خلف فرض أنَّ الحكم لوحظ له امتداد، فإذا لوحظ له امتداد فمن المناسب أن يجري استصحاب بقاء امتداده، وتلك النظرة الثانية - وهي أصالة عدم الجعل الزائد - إنما تتم فيما لو لم ننظر إليه بما أنه له امتداد، ولا يمكن في آنٍ واحدٍ أن ننظر إليه بكلتا النظرتين فإنَّ هذا تناقض، فإما أن نأخذ بالنظرة الامتدادية التي هي نظرة عرفية حيث أنها ترى للوجوب حدوثاً وبقاءً، فإذا نظرنا إليه بالنظرة العرفية فحينئذٍ يجري استصحاب بقاء الوجوب، ولا تجري آنذاك أصالة عدم الجعل الزائد، لأنَّها لو جرت فهذا يعني أننا لم ننظر إليه بما أنه أمر امتدادي، فكلتا النظريتين لا يمكن أن يجتمعا، بل أحدى النظرتين لابد وأن تكون هي المحكَّمة دون الثانية، وحيث إنَّ النظرة العرفية هي الأولى فإنَّ الوجوب يلحظ عرفاً وعند العقلاء أنَّ له حدوثاً وله بقاء، فهو حدث في زمان حضور المعصوم ونقول هو قد امتدَّ إلى مان الغيبة، فنحن نلحظه بهذا الشكل ومعه يجري استصحاب البقاء، وأما أصالة عدم الجعل الزائد فهي مبنيَّة على النظرة الثانية - يعني أنه أمرٌ آني وليس امتدادياً - فلا تجري، وبما أنَّ النظرة المحكَّمة عرفاً هي الأولى فيكون المدار عليها، وبذلك يجري استصحاب بقاء الوجوب ولا يعارض باستصحاب عدم الجعل الزائد، فإنَّ عدم الجعل الزائد ليست نظرة عرفية وإنما النظرة العرفية هي استصحاب بقاء الوجوب.

وإن شئت قلت: - نحن يوجد عندنا دليل ( لا تنقض اليقين بالشك )، فإذا كان عندك يقينٌ بشيءٍ وشككت فيه فلا تنقض اليقين السابق، والذي نشكُّ فيه هو الوجوب المجعول، لأنَّ الوجوب المجعول قابل للامتداد بالنظرة العرفية ففيه يقينٌ وشكٌّ، وأما الجعل فبالنظرة العرفية لا يكون فيه امتدادٌ ويقينٌ وشكٌّ حتى يجري فيه الاستصحاب وحتى يكون معارضاً للاستصحاب الأول.