الأستاذ الشيخ باقر الايرواني

بحث الأصول

43/05/08

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع: - صحيحة زرارة الثالثة - الأدلة على حجية الاستصحاب - مبحث الاستصحاب - الأصول العملية.

ويردّه: -

أولاً: - إنَّ تفسير اليقين بالمتيقن خلاف الظاهر، فإنَّ اليقين صفةٌ نفسانيةٌ فتفسيره بالمتيقن الذي هو متعلَّق اليقين خلاف الظاهر.

ثانياً: - لو تنزلنا وقطعنا النظر عمّا سبق نقول: - توجد قرينة في ذيل الصحيحة على خلاف ذلك، وذيلها هو قوله عليه السلام: - ( ... ولا ينقض اليقين بالشك .... ولكن ينقض الشك باليقين )، فإذا فسّرنا اليقين بالمتيقن والشك بالمشكوك فهذا التفسير لا يأتي في الفقرة الأخيرة فإنَّ الفقرتين سياقٍ واحد، وعليه فلابد وأن نفسّر اليقين في كلتا الفقرتين بشكلٍ واحدٍ وهكذا الشك، وفي ذيل الصحيحة لا يمكن أن نفسّر ( ولكن ينقض الشك باليقين ) يعني المشكوك ينقضه بالمتيقن، فإذاً هذا قرينة على أنَّ التفسير الذي ذكره الفيض الكاشاني(قده) مرفوض.

والنتيجة النهائية: - هي أننا عرفنا من خلال كل ما تقدم أنَّ صحيحة زرارة الثالثة يشكل حملها على الاستصحاب للزوم الاتيان بالركعة المشكوكة بنحو الاتصال وهذا مخالفٌ لما عليه المذهب، والتفاسير الأخرى التي ذكرت في هذا المجال اتضح أنها غير خالية من التأمل، وعلى هذا الأساس يصعب عدّ هذه الصحيحة في جملة الروايات الدالة على حجية الاستصحاب، نعم هي تذكر تحت هذا العنوان حتى يقع فيها البحث والكلام ولكن النتيجة النهائية هي أنَّ الأنسب حذفها من جملة الروايات الدالة على حجية الاستصحاب، أما حملها على ماذا فهذا شيء آخر.

الرواية الرابعة: - وهي صحيحة عبد الله بن سنان: - ( سأل أبي أبا عبد الله عليه السلام وأنا حاضر:- إين أعير الذمي ثوبي وأنا أعلم أنه يشرب الخمر ويأكل لحم الخنزير فيردّه عليَّ فأغسله قبل أن أصلي؟ فقال أبو عبد الله عليه السلام:- صلِّ فيه ولا تغسله من أجل ذلك فإنك أعرته غياه وهو طاهر ولم تستيقن أنه نجسه )[1] ، وهذه الرواية يستفاد منها عدَّة أحكام منها أنها تدل نجاسة الخمر، لأنَّ والد عبد الله بن سنان يسأل الامام عليه السلام عن غسل الثوب لأنَّ الكتابي الذي لبسه يشرب الخمر فإذاً المرتكز في ذهن سنان أنَّ الخمر نجس والامام عليه السلام سكت ولم يقل له إنَّ الخمر ليس بنجس، فسكوته يدل على إمضاء ما ارتكز في ذهن سنان وهو نجاسة الخمر، كما يستفاد منها أنَّ لحم الخنزير نجس أيضاً، لأنَّ سنان قال ( ويأكل لحم الخنزير ) بنفس التقريب السابق، كما يفهم منها شرطية الطهارة في الصلاة، كما يستفاد منها حكماً رابعاً وهو حجية الاستصحاب، فإنَّ الامام عليه السلام أجاب وقال:- ( صل ولا تغسله من أجل ذلك فإنك أعرته إياه وهو طاهر .. )، ولو قيل:- إنَّ المقصود ليس هو الاستصحاب وإنما الامام عليه السلام تمسك بأصل الطهارة، قلنا إنَّ جوابه واضح:- فإنه لا حاجة لأن يقول الامام عليه السلام:- ( إنك أعرته إياه وهو طاهر ولم تستقين أنه نجّسه ) بل المناسب أن يقول له ( لا يقين لك بنجاسته )، فتعليل الامام عليه السلام بأنه طاهرة ولم تستيقن أنه نجَّسه هو تقريب على دلالة الرواية على حجية الاستصحاب، فإذاً الرواية تدل على حجية الاستصحاب من هذه الناحية إذ لو كان نظرها إلى قاعدة الطهارة فالمناسب للإمام عليه السلام أن يقول له:- ( حيث لا علم لك بنجاسة الثوب فهو محكومٌ بالطهارة ) ، فإذاً دلالتها واضحة على حجية الاستصحاب.

ولكن الاشكال الذي يرد عليها هو أنها خاصة بباب الطهارة ولا يستفاد منها حجية الاستصحاب في مطلق الأبواب، إلا أن يقول قائل: - إنه لا فرق بين موردٍ ومورد، ولكن عهدة هذه الدعوى على مدّعيها فإنَّ هذا الأمر ليس بواضح، فإذاً هذه الرواية دلالتها على حجية الاستصحاب واضحة ولكن في خصوص موردها وهو باب الطهارة.

الرواية الخامسة:- موثقة عبد الله بن بكير عن أبيه:- ( قال لي أبو عبد الله عليه السلام:- إذا استيقنت أنك توضأت فإياك أن تحدث وضوءاً حتى تستيقن أنك أحدثت )[2] ، وهي تدل على حجية الاستصحاب، لأنَّ الامام عليه السلام قال:- ( إياك أن تحدث وضوءاً حتى تستيقن أنك أحدثت )، يعني إذا لم تكن مستيقناً فعليك أن تحكم ببقاء الوضوء وهذا معناه حجية الاستصحاب ولكن لا بلسان ( لا تنقض اليقين بالشك ) وإنما بلسان ( إياك أن تحدث وضوءاً حتى تستيقن أنك أحدثت )، فدلالتها واضحة على حجية الاستصحاب ولكنها خاصة بموردها وهو باب الوضوء، فالاستعانة بها من باب المؤيد لا بأس به.


[1] وسائل الشيعة، الشيخ الحر العاملي، ج3، ص521، أبواب النجاسات، باب74، ح1، ط آل البيت.
[2] وسائل الشيعة، الشيخ الحر العاملي، ج1، ص472، أبواب الوضوء، باب44، ح1، ط آل البيت.