43/05/06
الموضوع: - صحيحة زرارة الثالثة - الأدلة على حجية الاستصحاب - مبحث الاستصحاب - الأصول العملية.
احتمالات أخرى في معنى فقرة ( ولا يتفض اليقين بالشك ) في صحيحة زرارة الثالثة:-
عرفنا فيما سبق أنَّ صحيحة زرارة الثالثة كانت تشتمل على فقرة ( وإذا لم يدر في ثلاثٍ هو أو في أربع وقد أحرز الثلاث قام فأضاف إليها ركعة أخرى ولا شيء عليه ولا ينقض اليقين بالشك )، فمورد الاستشهاد هو قوله عليه السلام ( ولا ينقض بيقين بالشك)، والآن نريد أن نذكر الاحتمالات الأخرى في المقصود من هذه الفقرة، ففيما سبق ذكر الشيخ الأعظم(قده) أنه يحتمل أن يكوون المراد منها الاستصحاب، ثم قال بعد ذلك ولكن لازم ذلك جواز الركعة المتصلة وهذا خلاف مبنى الامامية، ومن هنا أخذ يعالج هذا الاشكال وأنه كيف نفسّرها بالاستصحاب والحال أننا نواجه الاشكال المذكور، فذكر في هذا المجال أنه نقول إنَّ الامام عليه السلام ناظر إلى التقية في مقام التطبيق لا في مقام بيان أصل القاعدة، فإنَّ قاعدة ( ولا ينقض اليقين بالشك ) لم يأتِ بها للتقية وإنما أَعمَل التقية في مقام التطبيق، ووافقه على ذلك الشيخ العراقي(قده) أو النائيني(قده) وغيرهما، وعلى أيَّ حال بقي الأعلام كالشيخ الخراساني والنائيني والعراقي يحملون هذه الفقرة على الاستصحاب ولكنهم يحاولون دفع هذا الاشكال - وهو أنه يلزم أن تكون الركعة منفصلة - ولم يذكروا معنىً آخر لهذه الفقرة غير الاستصحاب، ففيما سبق كان المعنى البارز لفقرة ( ولا ينقض اليقين بالشك ) هو الاستصحاب.
والآن نريد أن نذكر احتمالاتٍ أخرى في هذه الفقرة غير الاستصحاب وإن كانت لا تنفعنا: -
الاحتمال الأول: - ما ذكره الشيخ الأعظم(قده)، وهو ما نعرفه في ثنايا كلامه السابق، من أنَّه يمكن أن يقال إنَّ الصحيحة ناظرة إلى قاعدة اليقين وليس إلى الاستصحاب، والمقصود من قاعدة اليقين يعني تحصيل اليقين ببراءة الذمة، فإن كان الشيء واجباً وجب على المكلف أن يحصّل اليقين ببراءة الذمة منه ولا يكفيه احتمال البراءة وتفريغ الذمة، فإنَّ الذمة مشغولة بالتكليف بصلاة الظهر مثلاً فإذا حصل الشك فلابد من تحصيل اليقين ببراءة الذمة من هذا التكليف، ويحصل اليقين بتفريغ الذمة من خلال البناء على الأكثر ويأتي بعد التشهد والتسليم بتلك الركعة التي يحتمل نقصانها، وهذا عبارة عن قاعدة اليقين، إذ بهذه الطريقة سوف يُحصّل اليقين ببراءة الذمة، فنحمل الصحية على ذلك، فإنه إذا لم نسلك طريق الاستصحاب الذي سلكه الأعلام يمكن أن نسلك هذا الطريق.
ويرد عليه: -
أولاً: - إنَّ ظاهر ( ولا ينقض اليقين ) هو أنَّ المكلف عنده يقين وهذا اليقين لابد وأن لا ينقضه لا أنه يلزمه تحصيل اليقين غير الموجود، فإنه بناءً على هذه القاعدة التي ذكرناها لا يوجد عند المصلي يقين وإنما بعمله الذي ذكر - وهو أنه يبني على الأكثر ثم يأتي بركعة أخرى بعد التشهد والتسليم - سوف يُحصِّل اليقين الذي لم يكن موجوداً، وهذا مخالفٌ لظاهر الصحيحة، فإنَّ ظاهرها أنَّ اليقين ثابتٌ بالفعل حيث قالت:- ( قام فأضاف إليها ركعة أخرى ولا ينقض اليقين بالشك )، فظاهرها أنَّ اليقين موجود لا أنه يلزمه تحصيل اليقين ببراءة الذمة، بينما على ما ذكر اليقين ليس موجوداً وإنما يجب عليه تحصيله والحال أنَّ ظاهر الموثقة هو أنَّ اليقين موجودٌ بالفعل ولكن لا يجوز نقضه بالشك.
ثانياً: - إنَّ النقض في الرواية قد نسب إلى اليقين حيث قال: - ( ولا ينقض اليقين ) والحال أنَّ التفسير المذكور يصيّر المعنى هكذا :- ( ولا ينقض حكم العقل بلزوم تحصل اليقين ببراءة الذمة بعد فرض الاشتغال بنحو اليقين )، فلو كان مقصود الامام عليه السلام ما قاله فمن المناسب أن ينسب النقض إلى حكم العقل فيقول:- ( ولا ينقض حكم العقل بلزوم تحصيل اليقين ببراءة الذمة بعد الجزم بالاشتغال اليقيني ) لا أنه ينسب النقض إلى اليقين.
الاحتمال الثاني: - ما أفاده الشيخ العراقي(قده) حيث قال إنَّ المقصود من فقرة ( ولا ينقض اليقين بالشك ) أي أنه لا ينقض اليقين باشتغال الذمة بالشك بل لابد وأن ينقضه بيقينٍ آخر.
والفرق بين تفسير الشيخ الأعظم(قده) وتفسير الشيخ العراقي(قده)، أنَّ الشيخ العراقي هنا قال إنَّ المقصود من ( ولا ينقض اليقين بالشك ) هو أنه لا تنقض اليقين باشتغال الذمة بالشك، فهو نسب اليقين إلى اشتغال الذمة، فإنَّ اليقين باشتغال الذمة لا يُنقَض بالشك وإنما يلزم يُنقَض بيقينٍ مخالف أي ببراءة الذمة، وأما على تفسير الشيخ الأعظم(قده) فهو قال إن معنى ( ولا ينقض اليقين بالشك ) يعني ولا يُنقَض اليقين ببراءة الذمة بالشك، فهو نسبه إلى براءة الذمة، فيصير المعنى ولا ينقض اليقين ببراءة الذمة، يعني يلزم أن يُحصِّل اليقين ببراءة الذمة ولا يكتفي بالشك، وإذا كان هذا هو المقصود فقد أوردنا عليه إيرادين، الأول:- إنَّ كلمة اليقين في الرواية تدل على أنَّ اليقين حاصل لا أنه يلزم تحصيل اليقين ببراءة الذمة، والثاني:- من المناسب أن ينسب النقض إلى حكم العقل بلزوم تحصيل اليقين ببراءة الذمة هذا على تفسير الشيخ الأعظم(قده)، أما على تفسير الشيخ العراقي(قده) فهو نسب النقض إلى اليقين بالاشتغال، يعني مدام عندك يقين باشتغال الذمة فلا تنقض يقينك بالشك بل لابد وأن تقضه باليقين بالفراغ، فالشيخ الأعظم(قده) نسب النقض إلى اليقين بالبراءة، بينما الشيخ العراقي(قده) نسب اليقين إلى اشتغال الذمة.