43/05/02
الموضوع: - الأدلة على حجية الاستصحاب - مبحث الاستصحاب - الأصول العملية.
ثانياً:- صحيح أنَّ المصلي حينما يأتي بالركعة المشكوكة هو يتيقن أنه كان في الركعة الرابعة ويشك في خروجه منها فيستصحب عدم خروجه منها، ولكن يوجد استصحاب آخر معاكس لهذا الاستصحاب وهو أنَّ المصلي يتيقن أيضاً بأنه ليس في الرابعة إما قبلاً - يعني حينما كان في الثانية أو الثالثة - أو الآن، فهو بالتالي كما يتيقن أنه دخل في الرابعة وبالاستصحاب يثبت أنه بَعدُ باقٍ في الرابعة كذلك يعلم أنه خرج من الرابعة في وقتٍ ما جزماً إما سابقاً أو الآن ويشك الآن هل هو خارج من الرابعة أو لا فيستصحب خروجه من الرابعة ويكون هذا الاستصحاب معارضاً لذلك الاستصحاب، فلا يجري كلا الأصلين للعارضة، وعليه فلا ينفعه هذا الحل.
وفي مقام الردّ على ما ذكره الشيخ العراقي(قده) نقول: -
أولاً: - إنَّ كل كلامه مبني على أنَّ التشهد والتسليم يلزم أن يؤتى به في الرابعة المتصفة بأنها رابعة، ولكن هذه مجرّد دعوى تحتاج إلى إثبات ولا مثبت لها، فنحن نسلّم أنَّ التسليم لابد أن يكون في الرابعة أما بقيد أنها متصفة بكونها رابعة فهذا المبنى الفقهي مجرّد دعوى لا مثبت لها.
ثانياً: - لو سلَّمنا بأنَّ ما أفاده تام وأنه يلزم الاتيان بالتشهد والتسليم في الرابعة المتصفة بأنها رابعة، ولكن يمكن أن نقول قد خرج من هذا القانون الكلي هذا المورد - وهو مورد الشك - للرواية المذكورة، فيصير تخصيص، فنحن نسلّم المبنى الفقهي الذي ذكره ولكنه ليس ثابتاً بنحوٍ لا يمكن رفع اليد عنه، وإنما هو حكم شرعي، وكل حكم شرعي قابل للتخصيص وليس مثل استحالة اجتماع النقيضين حتى لا يقبل التخصيص، ونحن نقول إنَّ المخصَّص هو نفس هذه الرواية، فتكون مخصِّصة لهذا المبنى الفقهي إن تم.
ثالثاً: - إنه قال إنَّ استصحاب بقائه في الرابعة لا يثبت أنَّ هذه رابعة فإنه أصل مثبت وهو ليس بحجة، ونحن نقول:- صحيح أنه أصل مثبت وهو ليس بحجة إلا في هذا المورد فإنه حجة لأجل هذه الرواية، فالرواية تدل على أنه ما المانع من البناء على حجية الأصل المثبت في هذا المورد، فإنَّ حجية الأصل المثبت ليست من المستحيلات العقلية وإنما من باب أنه لا دليل على حجيته الأصل المثبت، فإذا دل دليل على حجيته كهذه الرواية حيث قالت ( لا يتنقض اليقين بالشك فيأتي برابعة وتشهد وسلم فيها ) فنفس هذه الرواية تكون مخصِّصاً لما دل على عدم حجية الأصل المثبت، وحينئذٍ لا محذور من إجراء الاستصحاب وإن كان أصلاً مثبتاً.
الاعتراض الثالث: - وهو ما أفاده الشيخ العراقي(قده) أيضاً، وحاصله: - إنَّ الاستصحاب لا يجري في باب الشك في عدد الركعات من ناحية أنه لا شك له في البقاء، وشرط جريان الاستصحاب الشك في البقاء، ولا يوجد في المقام شك في البقاء، والوجه في ذلك أن نقول: - إذا أردنا استصحاب عدم الاتيان بالرابعة فهل نستصحب عدم الاتيان بالرابعة بوصف كونها رابعة أو نستصحب عدم الاتيان بواقع الرابعة بقطع النظر عن وصف الرابعة؟ فإن كان المقصود هو الأول فالشك في البقاء موجودٌ لأني في بداية الصلاة جزماً لم أئت بالرابعة بوصف كونها رابعة، وبعد أن صليت الثانية والثالثة وحصل الشك فأنا أشك هل أتيت بالرابعة بقيد أنها رابعة فالشك في البقاء هنا موجود ولا إشكال فيه، وأما إذا كان الأثر مترتباً لا على واقع الرابعة ونقول إنَّ عنوان الرابعة ليس هو محطّ الأثر فالاحتمال الأول لا ينفع من باب أنَّ محط الأثر ليس هو الرابعة بوصف كونها رابعة وإنما محط الأثر هو واقع الرابعة، فإذا كان كذلك فسوف يكون المورد من دوران الاستصحاب بين مقطوع البقاء ومقطوع الارتفاع وهو لا يجري، والوجه في ذلك:- هو أنَّ واقع الرابعة إما أني أتيت به قطعاً وفي نفس الوقت أحتمل أنَّي لم أئت به، وما بيدي - قبل أن أجري الاستصحاب - إن كان هو رابعة فقد أتيت بواقع الرابعة، وإن كانت ثالثة فأنا لم أئت بالرابعة، فواقع الرابعة لم يتحقق جزماً، فالمورد يدور بين مقطوع العدم إن كانت الركعة التي بيدي والتي حصل فيها الشك هي ثالثة فالرابعة هنا مقطوعة العدم، وإذا كانت رابعة واقعاً فهي مقطوعة التحقق، فلا يوجد شك حتى يجري الاستصحاب، وشرط جريان الاستصحاب أن يكون المستصحب مشكوك البقاء، بينما المستصحب هنا مردّد بين مقطوع البقاء ومقطوع الارتفاع.