الأستاذ الشيخ باقر الايرواني

بحث الأصول

43/04/29

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع: - الأدلة على حجية الاستصحاب - مبحث الاستصحاب - الأصول العملية.

المناقشة الثالثة:- ما ذكره الشيخ النائيني(قده)[1] وحاصله:- إنَّ وجوب الركعة المتصلة مختصٌّ بغير الشاك، أما إذا حصل الشك فيتبدّل الوجوب من وجوب المتصلة إلى وجوب المنفصلة، فيكون الحكم الواقعي عند الشك هو وجوب المنفصلة، فصار جزءان لموضوع وجوب المنفصلة، والجزء الأول هو الشك والجزء الثاني هو عدم الاتيان بالرابعة، فإذا تم الجزءان وجبت المنفصلة، والجزء الأول محرزٌ بالوجدان، لأنَّ المكلف شاك، أما الجزء الثاني فقد أجرى الامام عليه السلام الاستصحاب لأجله، فإذا جرى الاستصحاب وثبت به عدم الاتيان بالرابعة فقد تم بذلك كلا جزئي الموضوع لوجوب الركعة الرابعة المنفصلة، ومن الواضح أنَّ الجزء الثاني هو الاتيان بركعة رابعة منفصلة، لأننا قلنا إنَّ الاتيان بها متصلةً هو حكم غير الشاك أما المنفصلة فهو حكمٌ للشاك، فالشك ثابتٌ بالوجدان وعدم الاتيان بالرابعة ثابت بالاستصحاب، فيثبت بذلك وجوب الركعة المنفصلة.

وفي مقام التعليق نقول: - إنَّ الامام عليه السلام بصدد توضيح المطلب وأنه لماذا يقوم ويأتي بركعةٍ أخرى إذا شك بين الثالثة والرابعة، فهو في مقام التعليل والتوضيح لزرارة، ونحن نقول:- إنَّ النكتة في لزوم الاتيان بالرابعة المنفصلة على ما بينه الشيخ النائيني(قده)تكمن في أنَّ موضوع وجوب المنفصلة هو الشك الذي هو محرزٌ بالوجدان والثاني هو عدم الاتيان بالرابعة، والأول محرزٌ بالوجدان والثاني محرزٌ بالاستصحاب، فهذه النكتة لابد وأن تُبيَّن لا أن يبيَّن الاستصحاب فقط، فإنَّ بيان الاستصحاب وحده لا يكفي لتوضيح المطلب، وإنما توضيح المطلب لابد أن يتم بهذه القضية فيقول الامام عليه السلام لزرارة ( يا زرارة إن موضوع وجوب الرابعة - يعني المنفصلة - هو الشك وه ثابت بالوجدان وعدم الاتيان بالرابعة وهو ثبات بلا تنقض )، ولكنه لم يبين هذا وإنما قال لابد أن تقوم وتأتي بركعةٍ رابعة ولا تنقض اليقين بالشك، وهذا لا يوضح المطلب الذي أرده الشيخ النائيني(قده)، فلو كان مقصود الامام عليه السلام ما يقوله الشيخ النائيني(قده) فلابد للامام عليه السلام أن يبيّن هذ القضية الاساسية وهي أنَّ موضوع وجوب المنفصلة مركّبٌ من جزأين والأول محرز بالوجدان والثاني بالاستصحاب، ولكن الامام عليه السلام لم يبيّن هذا وإنما بين فقط أنك تأتي بركعةٍ للاستصحاب - أي بـ( لا تنقض اليقين بالشك ) - وهذا لا يوصل الفكرة التي أرادها الشيخ النائيني(قده)، وبهذا يحصل الجزم بأنَّ ما ذكره الشيخ النائيني(قده) مجرّد حل أصولي، فإذاً ما ذكره ليس شيئاً عرفياً، وعليه فمقصود الامام عليه السلام ليس ما قاله الشيخ النائيني(قده) وإنما يريد أن يقول إنَّ الاستصحاب وحده يكفي لوجوب المنفصلة، وهذا مرفوضٌ، لأنَّ الاستصحاب إذا جرى فسوف يثبت وجوب المتصلة لا المنفصلة.

ومن خلال هذا كلّه اتضح أنَّ هذا الاشكال قد أجيب عنه من قبل الأعلام بأجوبة ثلاثة وقد اتضح التأمل في جميعها.

ولعل الانسب حمل قاعدة ( لا تنقض اليقين بالشك ) ليس على الاستصحاب لأنه يلزم منه لزوم الاتيان بالركعة متصلةً، وإنما نحملها على قاعدة اليقين وإن كان خلاف ظاهرها والتي تحصل بها البراءة اليقينية والتي أشير إليها في الروايات، وهو أن يبنى على الأكثر ثم ينهي المكلف صلاته ثم يأتي بما يحتمل نقيصته بعد التسليم من الصلاة، وهذا ما يعبّر عنه بلسان الأدلة بقاعدة اليقين، يعني هي طريقةٌ يحصل بها اليقين ببراءة الذمة، وقد أرشدت إليها النصوص، فإن كانت صلاتك كاملةً فهذه الرابعة التي أتيت بها منفصلةً لا تضرها، لأنه سوف لا تحصل زيادةَ ركنٍ حتى تبطل، وإن كنت لم يأتِ بأربعةٍ وإنما أتيت بثلاث ركعات فهنا لم تحصل زيادةً ركنية حتى تبطل بذلك الصلاة وحينئذٍ تنضمّ تلك الركعة المفصولة للصلاة.

فإذاً نحمل ما ورد في صحيحة زرارة الثالثة على قاعدة اليقين، فإن قبلنا بذلك فبها، وإن قلنا إنَّ هذا مخالفٌ للظاهر أيضاً عادت الرواية مجملة لا نعرف كيفية الجواب والحل، فيحتمل أنَّ يكون المراد بها الاستصحاب، ويحتمل أن يكون المراد بها قاعدة اليقين، فتعود مجملةً وغير صالحة للاستدلال بها.

هذا كله في الاعتراض الأول على هذه الصحيحة وهو أنَّ تطبيق الاستصحاب يلزم منه الاتيان بركعةٍ رابعةٍ متصلة وهذا خلاف المذهب، وقد ذكرنا له عدَّة أجوبة وجميعها قابل للتأمل، ثم انتهيا إلى أنا عاجزون عن الجواب عنه.

وهناك اعتراضات أخرى على هذه الصحيحة غير الاعتراض الذي أشرنا إليه ونقله الشيخ الأعظم(قده): -

وهناك اعتراضات أخرى غير الاعتراض الأول على صحيحة زرارة الثالثة وهي: -

الاعتراض الثاني: - سلّمنا أنَّ الرواية قد تمت دلالتها على الاستصحاب ولكن هذا لا ينفع حيث نقول هي خاصة بموردها وهو عدد الركعات، فإنَّ الأفعال الواردة فيها هي بنحو المبني للمعلوم مثل ( قام المصلي فأضاف ) و( ولا ينقض ) يعني المصلّي، فكل الضمائر ترجع إلى المصلّي، ومادامت ترجع إلى المصلّي فسوف تصير هذه القاعدة خاصة بباب الشك في عدد ركعات الصلاة ولا تنفعنا في بقية الأبواب.


[1] فوائد الأصول، النائيني، ج4، ص363. أجود التقريرات، الخوئي، ج2، ص370، ط قديمة.