الأستاذ الشيخ باقر الايرواني

بحث الأصول

43/04/24

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع: - الأدلة على حجية الاستصحاب - مبحث الاستصحاب - الأصول العملية.

الجواب الثالث: - إنَّ إجراء أصالة الجدّ في مقام التطبيق لا يمكن، وذلك لأنه هل نتمسك بأصالة الجدّ في مقام التطبيق بلحاظ كبرى جدّية بحيث تكون الجدّية في الاثنين معاً[1] فهذا نجزم ببطلانه، فلا يمكن أن يكون التطبيق جدّياً والكبرى جدّية، لأنَّ لازمه الاتيان بالركعة متصلة، وإذا كان المقصود هو التمسك بأصالة الجدّ في مقام التطبيق لكبرى غير جدّية[2] فهذا لا فائدة فيه، يعني إثبات الجدّية في التطبيق مع عدم الجدّية في الكبرى لا فائدة منه، أذ التمسك بأصالة الجدّ في مقام التطبيق لا فائدة منه.

وهذا دعم لما ذكره الأعلام الثلاثة وأنَّ هذه الكبرى تفيد حجية الاستصحاب.

هذا ولكن توجد بعض الأمور التي هي ليست ردوداً مستقلة عند النظر إليها منفردة ولكن إذا نظرنا إلى المجموع من حيث المجموع فربما يقف ذلك أمام ما ذكره الأعلام الثلاثة وبالتالي لا يمكن التمسك بما ذكروه، وهي: -

الأمر الأول: - أن نقول سيأتي أنَّ تعبير ( لا تنقض اليقين بالشك ) الوارد في هذه الصحيحة يمكن تفسيره بغير الاستصحاب، فيمكن حمله على بيان مطلبٍ آخر غير الاستصحاب وسيأتي هذا إن شاء الله تعالى.

الأمر الثاني: - إنَّ الامام عليه السلام تبرّع ابتداءاً ببيان هذه القاعدة أما زرارة فهو لم يسأل عن ذلك، وهذا معناه أنَّ الامام عليه السلام لم يكن في مقام التقية، إذ لو كان المقصود من ( لا تنقض اليقين بالشك ) الاستصحاب للزم أن يكون البيان صار فيه تقية لا أقل في مقام تطبيق القاعدة على المورد الذي لازمه أن يؤتى بركعة الاحتياط متصلة فإنَّ هذا هو لازم الاستصحاب، والامام عليه السلام خالف هذه التقية وبيّن أنَّ مقصوده بهذا الشكل حيث قال:- ( ولا يخلط أحدهما بالآخر .. )، فتبرُّع الامام عليه السلام معناه أنه لا يوجد إِعمال تقيّة، بينما لو كان المقصود هو الاستصحاب فالتقية لا أقل تصير في مقام التطبيق، وهذا خلف تبرّع الامام عليه السلام.

الأمر الثالث: - إنَّ الامام عليه السلام حكم بلزوم الاتيان بركعتين منفصلتين في المقطع الأول من الصحيحة وهذا معناه عدم وجود تقية، حيث ورد فيه: - ( قال قلت له:- من لم يدر في اربع هو أو في ثنتين وقد أحرز الثنتين، قال:- ركع ركعتين وأربع سجدات وهو قائم بفاتحة الكتاب )، فحينما قال يأتي بفاتحة الكتاب يعني أنها منفصلة وليست متصلة، فلو كان في مقام التقية ولو في مقام التطبيق فجوابه هذا لا يتناسب مع التقية وإنما هو يدفع احتمال التقيّة ولو في مقام التطبيق، بل الامام عليه السلام أخذ حريته الكاملة في الكلام ابتداءً.

الأمر الرابع: - إنَّ ما أفاده الأعلام الثلاثة من التفكيك بين بيان القاعدة وبين مقام التطبيق ففي مقام بيان القاعدة بينت لا للتقية بل لبيان أصالة الجدّ وفي مقام التطبيق توجد تقية بأن يؤتى بركعة الاحتياط منفصلة، ولكن نقول:- إنَّ هذه القضية وإن كانت ممكنة وعقلائية إلا أنه لا يصار إليها إلا إذا ثبت ذلك بالقرينة الواضحة كما في قضية السفّاح مع الامام الصادق عليه السلام، أما هنا فلا توجد قرينة واضحة على هذا التفكيك وإن كان ممكناً، إلا أنَّ مجرد إمكانه لا يكفي للمصير إليه، فهو شيء ممكن ولكن مع ذلك يحتاج إلى مثبتات قوية، والمفروض أنه توجد قرائن تضعّف كون مقصود الامام عليه السلام هو بيان الحكم بنحو الجدّ وليس للتقية.

والنتيجة: - إنَّ ما أفاده الأعلام الثلاثة وإن كان لا بأس به بنحو القضية العلمية إلا أنَّ الجزم به شيءٌ صعبٌ لما ذكرناه من الأمور الأربعة.


[1] أي في مقام التطبيق وفي مقام بيان أصل الكبرى.
[2] يعني لكبرى ( لا تنقض اليقين بالشك ) التي هي غير جدّية.