43/04/23
الموضوع: - الأدلة على حجية الاستصحاب - مبحث الاستصحاب - الأصول العملية.
انتهينا فيما سبق إلى أنَّ التقية في هي مقام التطبيق وليس في مقام بيان كبرى الاستصحاب، فبيان الكبرى لا للتقية بل هي في مقام بيان الحكم الجدّي وإنما التقية هي في مقام التطبيق.
وهنا نطرح تساؤلاً ونقول: - إنه كما يحتمل الجدّية في بيان الكبرى وأن يكون بيانها من باب أصالة الجدّ وليس للتقية والتقية تكون في التطبيق فلنعكس الأمر ونقول يحتمل أن يكون التطبيق جدّياً أما بيان الكبرى فهو الذي يكون للتقية؟، وعلى هذا الأساس سوف تكون أصالة الجدّ في الكبرى معارضة بأصالة الجدّ في التطبيق، وبالتالي يتساقطان ولا يمكن الأخذ بأيّ واحدةٍ منهما، فكيف نتخلّص من هذا الاشكال؟
وفي هذا المجال نذكر ثلاثة أجوبة دفاعاً عن الشيخ الأعظم(قده): -
الجواب الأول: - نقول إنَّ كبرى ( ولا ينقض اليقين بالشك ) هي لها عدة تطبيقات ومصاديق، ومن جملة مصاديقها هو موردنا وهو الشك بالاتيان بالركعة الرابعة وعدم الاتيان بها فمقتضى الاستصحاب عدم الاتيان بالرابعة، ومقتضى التطبيق أن نأتي بها متصلةً، فيحصل التعارض بين القاعدة وبين تطبيقها في هذا المورد، حيث إنَّ مقتضى التطبيق الاتيان بها متصلةً، ولكن في الموارد الأخرى غير مسألة الشك في عدد الركعات[1] كما لو فرض أني شككت هل تنجس ثوبي أو لا فمقتضى هذه القاعدة أني لا أعتني بالشك وأدخل في الصلاة بهذا الثوب، ومن تطبيقات هذه القاعدة أنه لو كان يوجد ماءٌ كرٌّ وشككنا في سقوطه عن الكرّية فهنا لا منافاة في تطبيق الكبرى على الكرّية ولا يحصل تعارض بين مقام التطبيق ومقام الكبرى الكلية.
فإذاً قاعدة ( لا ينقض اليقين بالشك ) لها مصاديق كثيرة، فكل مورد فيه يقين سابق وشك لاحق هو من مصاديق هذه القاعدة، وإنما تحصل المعارضة بين التطبيق وبين الكبرى الكلية في موردنا فقط وأما في بقية الموارد فلا توجد فيها مثل هذه المعارضة، وبناءً على هذا نقول:- إنَّ الذي نجزم بوجود التقية فيه هو مورد واحد وهو مورد تطبيق هذه القاعدة على باب الشك في الاتيان بالركعة الرابعة، فنقول إنَّ هذا التطبيق هو صادر للتقية وأما بقية الموارد الأخرى الكثيرة لنقض اليقين بالشك فلا مشكلة فيها، فيدور الأمر بين رفع اليد عن القاعدة في كل مواردها وبين التحفّظ عليها في كل الموارد ولكن نقول إنَّ تطبيقها في مقامنا يوجد فيه تقية، وعلى هذا الأساس لا موجب لرفع اليد عن القاعدة في بقية الموارد، لأنه لا يوجد مثل هذا الاشكال، فنقول إنَّ أصل القاعدة صادر لأجل بيان الحكم الواقعي وتطبيقها في بقية الموارد لا إشكال فيه، أما في موردنا فنقول إنَّ القاعدة جدية وليست للتقية وإنما تطبقها هو للتقية، فيدور الأمر بين رفع اليد عن القاعدة في كل مواردها الكثيرة وبين أن نقول هي لم تصدر للتقية في جميع هذه الموارد وإنما صدرت للجدّ حتى في موردنا غايته أنَّ التقية حصلت في موردنا في مقام التطبيق، ولا إشكال في أنَّ أصالة الجدّ في بيان أصل الكبرى يكون جارياً ولا معنى لحمل صدور هذه الكبرى الكلّية في جميع الموارد على التقية.
فإذاً المناسب التحفّظ على هذه القاعدة الكلّية في جميع مواردها، فنقول هو تشريع صادر في مقام الجدّ غايته أنَّ التطبيق في خصوص موردنا يكون للتقية، وحينئذٍ لا معنى لمقالة صاحب الاشكال من أنَّ أصالة الجدّ في مقام صدور أصل الكبرى معارضٌ بأصالة الجدّ في التطبيق، إذ نقول:- إنَّ المعارضة ليست موجودة، وإنما نقول إن الكبرى في كل الموارد قد صدرت لبيان الجدّ في أنَّ الحكم الواقعي هو هذا وعن جدٍّ ولكن تطبيقها في خصوص موردنا يكون لأجل التقية، وعند الدوران بين أن يكون صدور أصل القاعدة هو بنحو الجدّ في جميع الموارد حتى في موردنا وبين كون التطبيق في موردنا فقط هو لأجل التقية فلا معنى لرفع اليد عن أصل القاعدة في كل مواردها بل يلزم التحفّظ عليها في جميع الموارد، وحينئذٍ نقول إنَّ التطبيق في موردنا فقط يكون للتقية.
الجواب الثاني:- أن نقول إنَّ أصالة الجدّ لا تجري في مقام التطبيق، فلا تكون معارضة بين أصالة الجدّ في مقام التطبيق وأصالة الجدّ في بيان القاعدة الكلّية، بل أصالة الجدّ لا تجري في مقام التطبيق أصلاً، فتبقى أصالة الجدّ جارية في مقام بيان القاعدة الكلّية من دون معارض، أما أنَّ أصالة الجدّ لا تجري في مقام التطبيق فذلك باعتبار أننا نعلم جزماً بأنَّ التطبيق ليس جدّياً لكبرى جدّية بحيث يكون التطبيق جدّياً والكبرى جدّية، معه يكون اجراء أصالة الجدّ في مقام التطبيق لا معنى له، لأنك إن أردت أن تجري أصالة الجدّ في التطبيق لكبرى غير جدّية فهذا لا ينفع، وإن أردت اجراءه لكبرى جدّية فهذا نعلم بكذبه وإلا يلزم الاتيان بالركعة متصلةً، فإجراء أصالة الجدّ في مقام التطبيق لا معنى له، فإذا كنّا نعلم بأنَّ هذا التطبيق ليس جدّياً لكبرى جدّية فلا تجري أصالة الجدّ في التطبيق حتى تعارض أصالة الجدّ في الكبرى.