43/04/22
الموضوع: - الأدلة على حجية الاستصحاب - مبحث الاستصحاب - الأصول العملية.
انتهى حديثنا إلى صحيحة زرارة الثالثة التي رودت فيها فقرتان، ومورد كلامنا هو الفقرة الثانية التي نصّها: - ( وإذا لم يدر في ثلاث هو أو في أربع وقد أحرز الثلاث قام فأضاف إليها أخرى ولا شيء عليه ولا ينقض اليقين بالشك ولا يدخل الشك في اليقين ولا يخلط أحدهما بالآخر ولكنه ينقض الشك باليقين ويتم على اليقين فيبني عليه ولا يعتد بالشك في حالٍ من الحالات )، فإنه قد يتمسك بهذه الصحيحة لإثبات حجية الاستصحاب أيضاً.
وقال الشيخ الأعظم(قده):- إنَّ دلالتها على ذلك موقوفة على أن نفسَّر اليقين باليقين بعدم الاتيان سابقاً فالركعة المشكوكة، فإنَّ المكلف لم يأت بها سابقاً، كما لو شككت أنَّ هذه الركعة ثالثة أو رابعة فالرابعة أنا أتيقن بأني لم ائت بها سابقاً ثم أشك في الاتيان بها، فإذا فسَّرنا اليقين بهذا الشكل - يعني يقين بعدم الاتيان بالرابعة والشك بالشك في الاتيان بالرابعة - فحينئذٍ تدل على الاستصحاب، بيد أنَّ النتيجة سوف تكون هي لزوم الاتيان بالرابعة المشكوكة متصلةً لا منفصلة، لأنه قد ثبت بالاستصحاب أني لم أئت بها، ومعلوم أنَّ هذا مخالف لما عليه مذهب الامامية، وعلى هذا الأساس ذكر الشيخ الأعظم(قده) إنَّ المقصود من هذه الفقرات ليس الاشارة إلى الاستصحاب بل الاشارة إلى أصلٍ آخر وهو قاعدة اليقين، والمقصود من قاعدة اليقين هنا هو أنه يلزم على كل مكلف أن يتيقن بفراغ ذمته من التكليف الذي تعلّق بها، وفي مقامنا حيث يجزم المكلف بأنَّ ذمته قد اشتغلت بأربع ركعات فيلزم أن يتقين بفراغ الذمة، وكيف يمكن تحصيل اليقين بفراغ الذمة؟ جاءت بعض الروايات لترشد إلى ذلك، والطريقة التي أشارت إليها بعض الروايات هي أن يبني على الأكثر وينهي صلاته ويسلّم ثم بعد التسليم يأتي بالركعة المشكوكة، هذه طريقة ذكرتها النصوص لتحصيل اليقين بفراغ الذمة، فلاحظ موثقة اسحاق بن عمّار عن أبي الحسن عليه السلام فإنه قال:- ( إذا شككت فابن على اليقين، قال قلت:- هذا أصلٌ؟ قال:- نعم )[1] ، فإذاً لابد من تحصيل اليقين بفراغ الذمة والطريقة عند الامامية هي أنه يبني على الأكثر ويأتي بالركعة الرابعة بعد التسليم، والرواية وإن كانت لم تصرّح بذلك ولكن هذه إشارة إلى الطريقة المعروفة عند الامامية، ولذلك سأل الراوي الامام عليه السلام وقال:- ( هذا أصل ؟ قال:- نعم ) يعني هل هذا جارٍ في كل الموارد والامام عليه السلام أجابه بنعم، فإذاً فهم السائل أن المقصود هو البناء على الأكثر ثم التسليم ثم الاتيان بالركعة المشكوكة.
والخلاصة:- إنه يمكن أن يشكل على صحيحة زرارة الثالثة بأنها ليست ناظرة إلى الاستصحاب، إذ لو كانت ناظرة إليه للزم أن تكون النتيجة هي الاتيان بالركعة المشكوكة بنحوٍ متصلٍ وهذا مخالف للمذهب الامامي، فإنَّ من واضحات المذهب الامامي أنه لا يؤتى بالركعة المشكوكة بنحوٍ متصل، فإذاً يجب أن يكون المقصود من الصحيحة حينما قالت ابن على اليقين ليس هو ابن على الأقل الذي نتيجته الاستصحاب، وإنما ابن على اليقين بهذه الطريقة المعروفة بين الطائفة الامامية وهي أن يبني على الأكثر ثم يأتي بالتشهد والتسليم ثم يأتي بالركعة المشكوكة التي يعبّر عنها بركعة الاحتياط، وقد أشار حديث اسحاق بن عمَّار المتقدَّم بألفاظ موجزة إلى ذلك.
ثم قال الشيخ الأعظم(قده): - إذا لم يقبل بهذا وقيل إنَّ الرواية ناظرة إلى الاستصحاب فيلزم حملها على التقية، لأنها مخالفة للمذهب الامامي، ومع حملها على التقية لا يمكن آنذاك الاستفادة من فقرة ( ولا ينقض اليقين بالشك ) لإثبات حية الاستصحاب وذلك لبيانين:-
البيان الأول: - ما أشرنا إليه سابقاً، من أنَّ لازم ذلك الاتيان بالركعة المشكوكة متصلة وهذا مخالف للمذهب الامامي، فيتعين أن يكون المقصود من ( لا تنقض اليقين بالشك ) الاشارة إلى قاعدة اليقين بمعنى البناء على الأكثر ثم التسليم ثم الاتيان بركعة الاحتياط.
البيان الثاني: - لو تنزلنا وقلنا إنَّ هذه الصحيحة ناظرة إلى الاستصحاب فلازمه الاتيان بالركعة المشكوكة متصلة، وهذا موافق للتقية ومخالف للمذهب الامامي، ومعه لا يمكن التمسك بفقرة ( لا ينقض اليقين بالشك ) لأنها واردة مورد التقية.
وبعد اتضاح هذا الاشكال وقع الكلام في أنه كيف التخلص منه؟
وفي هذا المجال ذكرت عدَّة أجوبة: -
الجواب الأول:- ما ذكره الشيخ الأعظم(قده)[2] وقد تبناه الشيخ النائيني(قده)[3] والشيخ العراقي(قده)[4] ، وحاصله أن يقال:- نحن نحمل الصحيحة على التقية فراراً مما قيل من أنَّ لازم حملها على التقية عدم إمكان التمسك بفقرة ( ولا تنقض اليقين بالشك ) التي هي محل الشاهد لأنها واردة مورد التقية، فنحن نتخلّص من هذا الاشكال بأن يقال:- إنَّ التقية ليست في بيان الكبرى وإنما التقية في تطبيقها على المورد وهو الشك في عدد الركعات، فتبقى كبرى ( لا تنقض اليقين بالشك ) سالمة وحينئذٍ يمكن أن نستفيد منها حجية الاستصحاب في أيّ مورد، فالخلل هو في بيان التطبيق وليس في أصل بيان الكبرى، فأصل بيان الكبرى وارد لبيان الحكم الواقعي وليس للتقية، بيد أن تطبيق هذا المطلب الكلي على المورد - وهو الشك في عدد الركعات - فيه التقية، وبذلك سلمت لنا الكبرى وسوف نستفيد منها في اثبات حجية الاستصحاب.
ولذلك شاهد، وهو أنه قد يكون أصل المطلب الكلي وارد لا للتقية ولكن تطبيقه على المورد يكون للتقية، والشاهد هو الرواية المنقولة عن الامام الصادق عليه السلام حينما دخل على أبي العباس السفاح في الخيرة وكان ذلك اليوم قد اتخذته الجهة الرسمية عيداً للفطر، فسأل أبو العباس السفاح من الامام عليه السلام وقال له هل أنت صائم فأجابه الامام عليه السلام بجوابٍ دبلوماسي فبيّن كبرى لا تقية فيها ولكن التطبيق فيه تقية، قال الامام عليه السلام: - ( دخلت على أبي العباس ففقال يا أبا عبد الله ما تقول في الصيام اليوم؟ فقال: - ذاك إلى الامام إن صمت صمنا إن أفطرت أفطرنا )[5] ، ففي هذه الرواية قال عليه السلام ( ذاك إلى الامام ) وهذه الكبرى صحيحة فإنَّ هذا حكم صحيح، ولكن المقصود من الامام هو الامام العادل وهو حجة الله في أرضه، وهذه الكبرى هي واقعية صحيحة وليس فيها تقية، ولكن في مقام التطبيق قال عليه السلام للتقية:- ( إن صمت صمنا وإن افطرنا أفطرت )، فهنا صارت التقية في مقام التطبيق في قوله ( إن صمت صمنا وإن افطرت أفطرنا ) فهذا القول صدر من الامام عليه السلام تقيةً، فإذاً بيان اًصل الكبرى ليس للتقية ولكن تطبيقه للتقية، وعليه نقول إنَّ مقامنا من هذا القبيل أيضاً.
وقد يقال: - لعل البعض يصعب عليه تقبل هذه الرواية فيقول ليس من المقبول أن يتنازل الامام عيله السلام لأبي العباس السفاح ويقول: - ( إن صمت صمنا وإن أفطرت أفطرنا ).
ولكن نقول: - إنَّ هذا لا مانع منه، لأن الامام عليه السلام بحفاظه على حياته هو بالتالي حفاظ على حياة المؤمنين.
ومن لم يقبل بهذا نقول: - إنَّ الرواية مرسلة، لأنَّ سندها هو: - ( عدَّة من أصحابنا عن سهل بن زياد عن علي بن الحكم عن رفاعة عن رجل ) فهي مرسلة، ولكن نقول إنَّ الشاهد أردناه قد تم، فهو قد وضّح لنا المقصود وتمام السند أو ضعفه لا يؤثر من هذه الناحية.