43/04/21
بسم الله الرحمن الرحیم
الموضوع: - الأدلة على حجية الاستصحاب - مبحث الاستصحاب - الأصول العملية.
وربما تذكر فقرة أخرى في صحيحة زرارة الثانية لإثبات دلالتها على حجية الاستصحاب: - وهي ما ورد في السؤال الرابع من الصحيحة حيث قال زرارة: - ( فإني قد علمت أنه قد أصابه ولم أدر أين هو فاغسله، قال:- تغسل من ثوبك الناحية التي ترى أنه قد أصابها حتى تكون على يقين من طهارتك )، فقد يقال إنَّ الامام عليه السلام قال لزرارة عليك تغسل من ثوبك جميع الناحية التي تعلم أنَّ النجاسة قد أصابتها حتى تكون على يقين من طهارتك وهذا الحكم يبتني على حجية الاستصحاب، لأنه إذا لم يتقين من الطهارة فيريد الامام عليه السلام أن يقول له إذا لم تكن على يقينٍ من طهارتك فاستصحاب النجاسة يكون جارياً، وبذلك تكون هذه الفقرة دالة على حجية الاستصحاب.
ويرد عليه: -
أولاً: - نقول لعلَّ أمر الامام عليه السلام زرارة بغسل الجهة التي أصابتها النجاسة هو من باب أنَّ من شرائط صحة الصلاة اليقين بطهارة الثوب، فنفس اليقين بما هو يقين شرطٌ لازمٌ في صحة الصلاة، لا من باب جريان استصحاب النجاسة، وإنما من باب عدم وجود اليقين.
ثانياً:- إنه حتى لو تم ما ذكر فغاية ما ينفع هو حجية الاستصحاب بلحاظ الطهارة ولا يثبت حجيته في جميع الموارد، لأنه لا يوجد ما يمكن التمسك به لإثبات أنَّه يكون جارياً بشكلٍ مطلق، بخلاف التعبيرات الواردة في الفقرات الأخرى من الرواية، حيث ورد فيها:- ( ولا ينقض اليقين بالشط أبداً ) يعني اليقين بما هو يقين، أما في هذه الفقرة فلم تكن واردة بشكلٍ مطلقٍ بل لعل الاستصحاب المذكور فيها صحيح أنه يكون جارياً ولكن في خصوص هذا المورد لا في مطلق الموارد، وعليه فلا يمكن الاستفادة من هذه الفقرة في إثبات حجية الاستصحاب بصورةٍ مطلقة.
الصحيحة الثالثة:- وهي لزرارة أيضاً، وقد رواها الشيخ الطوسي(قده) بسند معتبر عن زرارة عن أحدهما عليهما السلام، قال:- ( قلت له:- من لم يدرِ في أربع هو أو في ثنتين وقد أحرز الثنتين، قال:- ركع ركعتين وأربع سجدات وهو قائم بفاتحة الكتاب ويتشهد ولا شيء عليه، وإذا لم يدر في ثلاثٍ هو أو في أربع وقد أحرز الثلاث قام فأضاف إليها أخرى ولا شيء عليه، ولا ينقض اليقين بالشك ولا يدخل الشك في اليقين ولا يخلط أحدهما بالآخر ولكنه ينقض الشك باليقين ويتم على اليقين فيبني عليه ولا يعتد بالشك في حالٍ من الحالات)[1] .
فقد يتمسك بهذه الصحيحة لإثبات حجية الاستصحاب: - لأنه عليه السلام قال: - ( ولا ينقض اليقين بالشك ولكن ينقض الشك بالقين )، فقد يتمسك بها لتقريب دلالتها على حجية الاستصحاب.
ولكن قال الشيخ الأعظم(قده) في الرسائل[2] :- إنَّ دلالتها على حجية الاستصحاب تتوقف على أن يكون المراد من اليقين هو اليقين بعدم الاتيان بالرابعة المشكوكة، ومن الشك الإتيان بالرابعة المشكوكة، فإنه بناءً على هذا قد يقال بأنه سوف تتم دلالتها على حجية الاستصحاب.
ولكن يمكن أن يقال:- إنها ليست ناظرة إلى ذلك، فإنَّ هذا يلزم منه مخالفة ما عليه مذهب الامامية، إذ لو جرى استصحاب عدم الاتيان بالرابعة، فلازمه هو الاتيان بالرابعة متصلةً لا منفصلةً والحال أنَّ مذهب الامامية قد استقر على الاتيان بها منفصلة لا متصلة، ومعه فلابد من حمل هذه الصحيحة على قاعدة أخرى غير الاستصحاب وهي قاعدة اليقين، فالإمام عليه السلام يريد أن يقول له أنت ذمتك مشغولة بأربع ركعات والطريق الصحيح لتفريغ ذمتك الذي تتقين باشتغالها هو سلوك قاعدة اليقين وذلك بأن تتشهد وتسلّم عند الركعة المشكوكة وتأتي بالركعة المشكوكة منفصلةً بعد التسليم لا متصلةً.
فإذاً الامام حينما يقول له لا تدخل الشك باليقين ولا تخلط أحدهما بالآخر يريد أن يلمّح إلى أنَّ هذه الركعة الرابعة - وهي ركعة الاحتياط - ينبغي تأتي مفصلةً لا أن تأتي بها متصلة وبذلك يحصل فراغ ذمتك بنحو اليقين، وهذا ما يمكن أن يصطلح عليه بقاعدة اليقين، أي به يحصل اليقين ببراءة الذمة.
وقد تسأل وتقول: - لماذا سلك الامام عليه السلام هذا الطريق ولم يصرّح بذلك؟
قلت: - إنه عليه السلام كان يعيش زمن التقية فلا يمكنه أن يصرّح بذلك، فالإمام عليه السلام ناظر إلى هذه المسألة لا إلى مسألة الاستصحاب، وإلا لو كان ناظراً إلى الاستصحاب - يعني عدم الاتيان بالرابعة المشكوكة - فاللازم الاتيان بها أن تكون متصلة لا منفصلة والحال أنَّ الامام عليه السلام يلمّح ويعطي إشارات على أنه يلزم الاتيان بها منفصلةً، فتراه يقول:- ( ولا يدخل الشك في اليقين ) يعني لا يدخل الركعة المشكوكة مع المتيقنات وإنما يفصلها، وكذلك يقول:- ( ولا يخلط أحدهما بالآخر ولكنه ينقض الشك باليقين ) يعني اليقين ببراءة الذمَّة الذي يحصل بالاتيان بها منفصلة.
ومن خلال ما ذكرنا اتضح أنَّ الصحيحة أجنبية عن الاستصحاب، إذا لو بني على ذلك لكانت النتيجة مخالفة للمذهب، بل هي مخالفة لنفس الصحيحة، لأَّن الصحيحة تقول لا يخلط أحدهما بالآخر يعني يلزم الاتيان بها منفصلةً، فإذاً هي ليست بناظرة إلى الاستصحاب وإنما هي ناظرة إلى قاعدة اليقين.