43/04/18
الموضوع: - الأدلة على حجية الاستصحاب - مبحث الاستصحاب - الأصول العملية.
ذكرنا أنَّ صحيحة زرارة تشتمل على فقرتين للشاهد أولاهما الفقرة الثالثة منها حيث كانت فيها دلالة جزمية على حجية الاستصحاب، ولكن كان يوجد فيها إشكال وكيف ندفعه وإلا أنَّ هذا شيء آخر، وثانيتهما الفقرة السادسة حيث سأل زرارة الامام عليه السلام وقال أنا شككت في وقوع النجاسة على ثوبي ثم صليت ولكن رأيت النجاسة في ثوبي أثناء الصلاة والامام عليه السلام فصَّل وقال إن شككت قبلاً في إصابة النجاسة ثم رأيت في أثناء الصلاة أعدت الصلاة وإذا لم تشك قبلاً ورأيت النجاسة في أثناء الصلاة رطبةً ففي مثل هذه الحالة لا ينبغي لك نقض اليقين بالشك، حيث قالت الفقرة :- ( قلت:- إن رأيته في ثوبي وأنا في الصلاة، قال:- تنقض الصلاة وتعيد إذا شككت ثم رأيت، وإن لم تشك ثم رأيته رطباً قطعت الصلاة وغسلته ثم بنيت على ما سبق لأنك لا تدري لعل شيء أُوقِـع عليه فليس ينبغي لك أن تنقض اليقين بالشك )، فإذاً دلالتها واضحة على حجية الاستصحاب.
والخلاصة: - إنه إذا رأى النجاسة في ثوبه أثناء الصلاة فإن كان شاكاً قبلاً ثم رآها فهذا الشك يصير قرينةً على أنها كانت موجودة من البداية فيعيد الصلاة، وأما إذا لم يشك في وجودها ولكنه رآها في الأثناء رطبةً فسوف يتولد عنده احتمال أنها أصابته أثناء الصلاة فيغسلها ويواصل الصلاة ولا شيء عليه فإنه لا يجوز نقض اليقين بالشك، وهذا واضح ولا مشكلة فيه.
وإنما المشكلة في هذه القضية: - وهي أنه إن لم تشك ثم رأيته رطباً فهنا قال عليه السلام: - ( إن لم تشك ثم رأيه رطباً قطعت الصلاة )، وهذا يفهم منه أنه عليك أن تغسله، فهو عليه السلام طبَّق الاستصحاب في هذه الحالة، فيفهم من هذا التعبير أنه متى ما انكشف أنَّ الصلاة بتمامها قد وقعت جزماً في النجاسة فحينئذٍ تصير باطلةً ويجب عليك الاعادة، ولكن احتمال أنها وقعت في الأثناء تكون معفوّاً عنها، وأما إذا لم يحتمل أنها وقعت في الأثناء بل جزماً هي مستمرة فمعنى ذلك أنَّ الصلاة باطلة، فيفهم من هذا التعبير أنَّ الصلاة إذا وقعت بتمامها في النجاسة فحينئذٍ يحكم ببطلانها ولكن حينما رآها رطبًة فحيث يحتمل أنها أصابته في أثناء الصلاة فلا يحكم ببطلان الصلاة لاحتمال أنَّها أصابته في الأثناء ويجري حينئذٍ استصحاب عدم وقوعها قبل ذلك وإنما وقعت في الأثناء، وهذا معناه أنَّ النجاسة لو كانت مستمرة إلى نهاية الصلاة فلابد من الاعادة، هذا ما يفهم من هذه الفقرة، وحينئذٍ يحصل التناقض بين هذه الفقرة السادسة وبين الفقرة الثالثة، لأنه في الفقرة الثالثة التي فرض فيها الظن بالإصابة دون اليقين ثم رأى النجاسة بعد الصلاة حكم عليه السلام فيها بعدم وجوب الاعادة، لأنَّ التعبير في الفقرة الثالثة كان هكذا:- ( قلت:- فإن ظننت أنه قد أصابه ولم أتيقن ذلك فنظرت فلم أرَ شيئاً ثم صليت فرأيت فيه، قال:- تغسله ولا تعيد الصلاة )، فإذاً هذه الفقرة دلت على أنه إذا رأى النجاسة بعد الصلاة لا يعيدها، أما الفقرة السادسة فقد دلت على أنه لو رأى النجاسة في الأثناء فمادامت رطبةً فلعله شيء أوقع عليه، يعني حتماً إذا كانت النجاسة واقعة من البداية وليس في أثناء الصلاة فلابد من الاعادة، فكيف حكم الامام عليه السلام في الفقرة الثالثة بعدم لزوم الاعادة مع أنَّ الصلاة وقعت بكاملها في النجاسة بينما حكم في الفقرة السادسة بلزوم إعادتها والحال أنه وقع جزء منها - وهو بدايتها - في النجاسة فإنَّ هذا غير يمكن، لأنه إذا كان لا يلزم اعادة الصلاة إذا وقعت بتمامها في النجس فبالأولى أنه لا يعيدها لو انكشف وقوع بعضها في النجاسة، هذا إشكال وتهافت واقع بين الفقرة الثالثة وبين الفقرة السادسة قد تعرض له الشيخ الأعظم(قده)[1] ، وهو إشكال علمي لا يؤثر على الاستدلال بالرواية على الاستصحاب.
وأجاب السيد الخوئي(قده) عن هذا الاشكال وقال[2] :- إنَّ هذه أحكام تعبّدية ونحن لا نعرف ملاكاتها، فلا تجري الأولوية فإنَّ هذا خلف فرض كون الأحكام تعبّدية.
ولكن يمكن أن يجاب ويقال: - إنَّ الأولوية مفقودة، ووجه ذلك أنَّ المكلف إذا أتم الصلاة وحكمنا عليه بالاعادة كان في ذلك مشقَّة عليه، لأنَّ تمام الصلاة قد أدّاها فالحكم عليه بالاعادة تكون فيه مشقة عليه، أما لو فرض أنه صلى ربع الصلاة مثلاً فلو حكمنا عليه بالاعادة فلا توجد تلك المشقة.
فإذاً يمكن توجيه الحكم على طبق القاعدة، ونظير ذلك في قضايانا العرفية ما لو قلت لأهلي اطهوا طعاماً جيداً هذا اليوم لأنَّ ضيوفاً سوف يأتوننا وبعد أن أكملوا طهي الطعام جئت ورأيته فلم يعجبني فهنا سوف أسكت لا آمرهم بإعادة الطبخ لأن فيه مشقة عليهم، أما إذا كانوا في نصف المسافة كما لو بدأوا بوضع القدور على النار وباشروا بالطهي ولم يعجبني ما يطهونه فهنا سوف أطلب منهم الطهي من جديد لأنَّ المشقة هنا تكون أقل، بخلاف ما إذا أكملوا الطهي فالمشقة حينئذٍ تكون أوضح، فإذاً القضية عقلائية قبل أن تكون تعبّدية.