الأستاذ الشيخ باقر الايرواني

بحث الأصول

43/04/17

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع: - الأدلة على حجية الاستصحاب - مبحث الاستصحاب - الأصول العملية.

والمناسب أن يقال:- إنَّ العجز عن جواب هذا الاشكال الوارد على الصحيحة لا يضعّف من دلالتها على حجية الاستصحاب، فإنها دلت على حجية الاستصحاب بإعطاء قاعدة عامّة، ونصّ القاعدة العامة التي ذكرها الامام عليه السلام هي:- ( لأنك كنت على يقين من طهارتك ثم شككت فليس ينبغي لك أن تنقض اليقين بالشك أبداً ) فإنَّ دلالتها على حجية الاستصحاب واضحة، وهي أنه كلّما كان يوجد يقين سابق بحدوث الشيء وشك في بقائه فالاستصحاب يجري وأنه لا ينبغي نقض اليقين بالشك، ولا تتزعزع دلالتها بالإشكال المتقدّم، فسواء عرفنا جوابه أو لم نعرفه فهذا لا يضر في دلالتها على المطلوب، إلا أننا لا نعرف كيف طبق الامام عليه السلام القاعدة على المورد فإنه يوجد خفاء في كيفية التطبيق ولكن رغم ذلك دلالتها على الاستصحاب واضحة، وعليه نقول إنَّ عجزنا في الجواب عن هذا الاشكال لا يضرّ شيئاً في دلالة الرواية على حجية الاستصحاب.

فإذاً اتعاب النفس في حلّ الاشكال ودفعه أمرٌ ليس بالمهم وإنما تلك قضية فنّية أمكننا حلّها أو لم يمكننا ذلك فهي لا تؤثر، والمهم أنَّ الامام عليه السلام قال بصريح القول: - ( ليس لك أن تنقض اليقين بالشك أبداً )، فإذاً هي واضحة في حجية الاستصحاب.

إن قلت: - إذا لم نتمكن من الجواب عن الاشكال فسوف يبرز احتمالٌ آخر في المقصود من الرواية، وذلك بأن تكون ناظرة إلى قاعدة اليقين وليس إلى الاستصحاب، وحينئذٍ يضرنا العجز عن دفع الاشكال بعد تولّد هذا الاحتمال بناءً على أنَّ الاشكال لا يأتي لو أريد منها قاعدة اليقين.

قلت:- إنَّ هذا شيء وجيه فيما إذا فرض أنَّ الرواية لم تكن واضحة في إرادة الاستصحاب وكان من المحتمل إرادة قاعدة اليقين منها، ولكن يمكن أن يدّعى وضوحها في إرادة الاستصحاب، ولكن إذا فرض أنَّا شككنا في هذا الوضوح فنقول إنَّ إرادة قاعدة اليقين منها أيضاً يرد عليه الاشكال، لأنَّ قاعدة اليقين تحتاج إلى أمرين، فهي تحتاج إلى يقينٍ سابق وإلى شكٍّ يسري إلى نفس اليقين السابق، وكلا هذين الأمرين لم يفترض وجودهما في الصحيحة، أما اليقين السابق فهو لم يفترض في الرواية، فلاحظ ذلك فإنه قال:- ( قلت:- فإن ظننت أنه قد اصابه ولم أتيقن ذلك فنظرت فلم أرَ شيئاً ) وإلى هذا المقدار من التعبير لم يفترض زرارة ركن قاعدة اليقين الأول الذي هو اليقين السابق، وأما الشك الساري فعدم الاشارة إليه أوضح، فإنه لم يذكر في الرواية بأنه حصل لي شك سارٍ وإنما ذكر ما يعاكس ذلك، فإنه ذكر يقيناً بالإصابة وأنه أزال ذلك اليقين السابق إن كان، لا أنه شكٌّ سارٍ إلى اليقين حيث قال زرارة ( ثم صليت فرأيت فيه النجاسة ) يعني رآها بنحو اليقين لا أنه شك يسري إلى ذلك اليقين، فاحتمال إرادة قاعدة اليقين من هذه الرواية شيء بعيد لأنَّ ذلك فرع افتراض وجود الركنين، والصحيحة لم تفترض وجودهما، وعلى هذا الأساس دعوى أنه إذا عجزنا عن دفع هذا الاشكال فسوف يتولّد احتمال كون الرواية ناظرة إلى قاعدة اليقين لا مجال لها بعد أن فرضنا أنَّ الرواية لم تسلَّط الأضواء على قاعدة اليقين، فيبقى أرادة الاستصحاب منها شيء واضح، أما عجزنا عن دفع الاشكال فهو لا يؤثر شيئاً.

وقال السيد الشهيد(قده):- [1] إنَّ العجز عن دفع الاشكال يولّد لنا ظناً أو اطمئناناً بوجود خللٍ في الرواية لا تدل بسببه على حجية الاستصحاب، ومع وجود هذا الظن أو الاطمئنان بوجود الخلل فسوف لا تكون شهادة الراوي - بأنَّ الذي ذكره الإمام وذكرته أنا هو هذا المقدار لا أكثر - التي هي شهادة حالية ساقطة، فإنَّ الراوي حينما ينقل شيئاً فهذه شهادة حالية على أنَّ المقدار المنقول هو تمام ما جرى في مجلس الحوار ولا توجد زيادة ولا نقيصة، وهذه شهادة حالية وعلى أساسها نأخذ بشهادة الراوي وننفي احتمال وجود زيادةٍ أو نقيصةٍ أو خلل، أما بعد فرض أنَّ روايتنا تشتمل على الخلل الذي أشرنا إليه فمعه سوف لا تدل على إرادة الاستصحاب، وعلى هذا الأساس لا يمكن الاعتماد على هذه الرواية مادمنا قد عجزنا عن حل الاشكال.

وفي مقام التعليق نقول: - إنَّ وضوح الرواية في إرادة الاستصحاب يدفع الاحتمالات الأخرى غير الاستصحاب، فالمراد منها جزماً هو الاستصحاب لوضوحها في ذلك، فإنَّ الامام عليه السلام قال: - ( لأنك كنت على يقين من طهارتك ثم شككت فليس ينبغي لك أن تنقض اليقين بالشك أبداً )، فوضوح هذا التعبير في إرادة الاستصحاب يمنع من الاعتماد على ما ذكره السيد الشهيد(قده)، فالاحتمال الذي ذكره يصير ضعيفاً بعد وضوح نفس الرواية في إرادة الاستصحاب منها.

فإذاً عجزنا عن حلّ الإشكال لا يحول دون الأخذ بها.

وبهذا انتهينا إلى هذه الفقرة من الرواية تدل على حجية الاستصحاب من دون كلام.

أما بقية الأسئلة الموجودة في الرواية فهي: -

السؤال الرابع: - وهو أنه إذا علمت بأنَّ النجاسة أصابت ثوبي ولكن لا أشخص المكان وهل هو أعلى الثوب أو أسفله فالإمام عليه السلام هنا قال تغسك تلك المنطقة التي تظن أنه أصابها حتى تكون على يقينٍ من طهارتك، ولكن هذا السؤال ليس فيه دلالة على حجية الاستصحاب وإنما يدل على أنَّ المكلف حينما يريد أن يصلّي فلابد وأن يكون على يقينٍ من طهارة لباسه ولو بغسله.

السؤال الخامس: - وهو أنَّ زرارة سأل وقال: - إذا شككت أنَّ الدم هل أصاب الثوب أو لم يصبه فهل يجب النظر؟ والامام عليه السلام قال: - لا يجب عليك أن تنظر ولكنك تريد أن ترفع الشك الذي وقع في نفسك، يعني أنَّ هذه مسألة شخصية فإذا أردت أن تدفع الوساوس فاغسله ولكن كوجوبٍ شرعي فهو لا يجب، والنكتة واضحة وهي جريان لأصل الطهارة أو لاستصحاب عدم وقوع النجاسة.

السؤال السادس: - وهو الذي فيه مورد للاستشهاد لحجية الاستصحاب، وهو أنَّ السائل يقول لو فرض أني قبل الصلاة لا أظن ولا احتمل أن ثوبي نجس ولكن في أثناء الصلاة رأيت الدم في موضعٍ من الثوب، والامام عليه السلام قال له عليك أن تغسل ذلك المقدار من الثوب وترجع إلى صلاتك وتستمر فيها - هذا إذا لم يكن الفعل كثيراً بحيث يكون ماحياً لصورة الصلاة -، ثم قال الامام عليه السلام:- إنَّ هذا المقدار يكفي ولا تبطل صلاتك من البداية ( لأنك لا تدري لعله شيء أوقع عليك فليس لك أن تنقض اليقين بالشك )، يعني أنه وقع عليك الآن، وهذا هو المورد الثاني في الرواية والذي يمكن استفادة الاستصحاب منه.


[1] بحوث في علم الأصول، الهاشمي الشاهرودي، السيد محمود، ج6، ص5.