الأستاذ الشيخ باقر الايرواني

بحث الأصول

43/04/16

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع: - الأدلة على حجية الاستصحاب - مبحث الاستصحاب - الأصول العملية.

ويرد عليه: -

أولاً: - إذا كان المانع من صحة الصلاة هو إحراز النجاسة والامام عليه السلام يريد أن يزيح إحراز النجاسة فنقول إنَّ استصحاب الطهارة لا حاجة إليه لإحراز النجاسة، بل يوجد شيءٌ آخر يزيح إحراز النجاسة قبل أن تصل النوبة إلى استصحاب الطهارة، وهو أنَّ المفروض أنَّ زرارة شاك ولا يعلم بأن ثوبه نجس وفي نفس الوقت هو لا يعلم أنَّ ثوبه طاهر، فإذا كان لا يعلم بكلا الأمرين فحينئذٍ إحراز النجاسة يكون زائلاً وليس بموجود من دون حاجة إلى إزاحته من خلال استصحاب الطهارة، فالمانع يزول من دون حاجةٍ إلى استصحاب الطهارة، وهذا إشكال على الامام عليه السلام.

والخلاصة: - إنَّ استصحاب الطهارة فرع الشك، فإذا فرضنا أنَّ المكلف كان شاكاً في الطهارة والنجاسة كفاه ذلك لعدم إحراز النجاسة من دون حاجة إلى إجراء استصحاب الطهارة.

ثانياً: - هناك شيء يزيح إحراز النجاسة قبل أن تصل النوبة إلى استصحاب الطهارة، وهو أصل الطهارة، فمن المسلَّمات أنَّ أصل الطهارة موجود في المورد، فما الحاجة إلى اجراء استصحاب الطهارة مع وجود أصل الطهارة؟!! وإنما يجري أصل الطهارة رأساً لأنه موجودٌ دائماً، لأنَّ الأصل في الأشياء هو الطهارة من دون حاجةٍ إلى الاستصحاب، فعلى هذا الأساس مع وجود أصل الطهارة لا معنى للذهاب إلى استصحاب الطهارة، لأنَّ أصل الطهارة كافٍ لإزاحة إحراز النجاسة من دون الحاجة إلى استصحاب الطهارة.

الجواب الرابع: - أن يقال إنَّ الاشكال المثار في المقام والذي نحن في صدد إبراز أجوبة له هو مبتنٍ على شيءٍ واحد وهو وجود الضمير في الرواية، بحيث الوارد في الرواية هو تعبير ( فصليت فرأيته ) وفي بعض النسخ من الرواية الموجود ( فرأيت ) من دون ضمير الهاء، فإن كان الضمير موجوداً فهذا الاشكال يكون وارداً، ولكن نقول إنَّ وجود هذا الضمير شيء غير مُحرَز، وحيث لا مثبت لوجوده ولو لاختلاف نسخ الحديث فالإشكال يكون مندفعاً، إنما يأتي الاشكال فيما إذا كانت الضمير موجوداً - يعني كان الموجود في الرواية هو تعبير ( فوجدته ) أي فوجدت الدم - وهو أنه كيف يجري الامام عليه السلام الاستصحاب والحال أنَّ اليقين السابق بعدم النجاسة قد انتقض باليقين بالإصابة، ولكن هذا الاشكال يكون وراداً فيما إذا كان الضمير موجوداً، ولكن حيث إنَّ الضمير لم يثبت وجوده فالإشكال سوف يندفع.

وربما يُردُّ هذا الجواب بما يلي: -

أولاً: - إنَّ السياق يقتضي أن يكون التعبير مع الضمير، وبذلك ترجع رواية العلل المشتملة على الضمير هي المعتمدة فإنَّ السياق يساعد على ذلك.

ثانياً: - إذا فرض أنَّ الضمير ليس موجوداً يعني أنه لم يرَ نفس الدم السابق وإنما لعله دمٌ آخر حدث فيما بعد فلا داعي إلى استغراب زرارة، فزرارة لماذا استغرب وحصلت عنده إثارة وأخذ يتساءل مع الامام عليه السلام؟! فلابد أن يكون الذي أثاره هو أنه رأى نفس النجاسة السابقة، إذ لو لم يرَ نفس النجاسة السابقة فلا حاجة إلى حصول الاستغراب له، فإذاً نفس هذا الاستغراب وإثارة التساؤل والاشكال يبتني على وجود الضمير.

ولكن يبقى شيء: - وهو أنَّ زرارة له موقفان متهافتان في هذه الرواية، فهو حينما رأى النجاسة استغرب من حكم الامام عليه السلام بصحة الصلاة وهذا يقوّي أنَّ النجاسة التي رآها هي نفس النجاسة السابقة وإلا فلا داعي إلى حصول هذا الاستغراب، ولكن من جهةٍ أخرى حينما ذكر الامام عليه السلام الاستصحاب لم يحصل استغراب جديد من قبل زرارة ولم تحصل عنده إثارة جديدة والحال أنَّ المناسب له أن يقول للإمام عليه السلام إنَّ هذه النجاسة الـتي رأيتها حيث إنها نفس النجاسة السابقة - بناءً على وجود الضمير الذي بسببه استغرب زرارة من الحكم بصحة الصلاة - كيف تجري الاستصحاب فيها والحال أني أعلم بأنَّ صلاتي قد وقعت في النجس لأنَّ هذه النجاسة هي نفس النجاسة السابقة؟!!

فزرارة حينما حكم له الامام عليه السلام بصحة الصلاة استغرب بأنه كيف تصح الصلاة والحال أني وجدت الدم فلابد أن يكون هذا الدم الذي رآه هو نفس الدم السابق، فإذا كان هو نفس الدم السابق فحينئذٍ استغرابه يكون في محلّه، وأما إذا لم يكن نفس الدم السابق ويحتمل أنَّه لم يكن موجوداً سابقاً وأنَّ الصلاة وقعت في الطاهر وإنما هذا الدم حصل جديداً فحينئذٍ استغراب زرارة لا داعي إليه، فاستغراب زرارة إن دل على شيءٍ فإنما يدل على أنه رأى نفس الدم السابق، يعني أنَّ الضمير موجود في الرواية، فإذا فرضنا هكذا فحينئذٍ نقول إنَّ الامام عليه السلام أجاب بالاستصحاب فقال لزرارة إنَّ الاستصحاب يجري في حقك وزرارة سكت ولم يستغرب والحال أنَّ المناسب له أن يقول للإمام عليه السلام كيف يجري الاستصحاب والمفروض أنَّ هذه النجاسة أنا أتيقن بأنها نفس النجاسة السابقة فالاستصحاب لا يمكن أن يجري، هذان موقفان متهافتان ولكنهما مرتبطان بزرارة.

والخلاصة: - إنه قد يدفع الاشكال بأنه لا مثبت لوجود الضمير فلا إشكال، ولكن دفعنا هذا بتعليقين، والنتيجة لحدّ الآن هي أننا لم نحصل على جوابٍ عن هذا الاشكال، فكيف نجيب عنه؟