الأستاذ الشيخ باقر الايرواني

بحث الأصول

43/04/15

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع: - الأدلة على حجية الاستصحاب - مبحث الاستصحاب - الأصول العملية.

عرفنا لحد الآن وجود جوابين عن الاشكال المتقدّم وعرفنا كلام السيد الخوئي(قده) أيضاً.

وفي مقام التعليق على الجوابين المتقدّمين نقول: -

أما جواب الشيخ الخراساني(قده) فنقول: - إنَّ لبّ الجواب الذي ذكره يكمن في نقطةٍ واحدةٍ وهي الإحراز، فهو جعل الشرط إجراز الطهارة، وحينئذٍ نقول:- إذا كان هذا هو المقصود للإمام عليه السلام جزماً لكان المناسب له أن يبيّن هذه القضية لأنها هي الأساس فيقول:- ( إنَّ شرط الصلاة هو الاحراز والاحراز متحقق بسب الاستصحاب )، فمادام لم يذكرها فهذا فيدل على أنَّ هذا ليس منظوراً له عليه السلام، لأنه لو كان منظوراً له فلابد أن يبين فكرة الإحراز لا أنه يبيّن الاستصحاب فإنَّ الاستصحاب لا ينفع وإنما الاستصحاب هو وسيلة للإحراز، ولا نريد أن نقول المناسب للإمام عليه السلام أن يسكت عن الاستصحاب ولا يبيّنه، وإنما نريد أن نقول ينبغي أن لا يكتفي الامام عليه السلام ببيان جريان الاستصحاب بل لابد أن يشير إلى فكرة الإحراز فيقول:- ( يجري الاستصحاب لا تنقض اليقين بالشك وأنت بهذا قد أحرزت طهارة الثوب والشرط هو احراز الطهارة دون الطهارة الواقعية والاحراز ثابت عندك )، فيلزم أن يسلّط الامام عليه السلام الأضواء على قضية الإحراز والحال أنه لم يشر إليها من قُربٍ ولا من بُعد وإنما تعرّض إلى الصغرى فقط وهو جريان الاستصحاب الذي هو المحقق للإحراز، أما أنَّ الشرط في الصلاة هو الإحراز فلم يشر إليه والحال أنه هو أساس جواب الشيخ الخراساني(قده) لا شرطية الطهارة الواقعية.

أما جواب شريف العلماء(قده) فنقول:- يرد عليه نفس ما أوردناه على جواب الشيخ الخراساني(قده)، فهو قال إذا جرى الاستصحاب فسوف يتولد حكم ظاهري بثبوت الطهارة والحكم الظاهري يقتضي الاجزاء، ونحن نقول:- يلزم أن يبيّن الامام عليه السلام ذلك والحال أنه لم يبيّن هذه الصغرى والكبرى وإنما بيّن فقط أنه يوجد استصحاب، وقد قلنا إنَّ الامام عليه السلام ذكر الاستصحاب من باب أنه وسيلة لإحراز الطهارة واقعاً وحجيته تبقى مادام لم ينكشف الخلاف فإذا انكشف فلا ينفع، فلابد أن يبيّن الامام عليه السلام ويقول:- ( وحيث يجزي الحكم الظاهري عن الحكم الواقعي فلا حاجة إلى الاعادة )، فلابد وأن يبيّن كبرى الإحراز[1] وكبرى الإجزاء[2] ، وهذه الكبرى يلزم أن يسلَّط الأضواء عليها، والحال أنه لم يسلط الأضواء عليها وهذا يدل على أنه عليه السلام لم يقصد هذين الجوابين.

الجواب الثالث:- ما أفاده الشيخ النائيني(قده)[3] وحاصله:- إنَّ العلم بالنجاسة مانعٌ من صحة الصلاة وليست الطهارة شرطاً في صحتها، فالإمام عليه السلام أراد أن يزيل هذا المانع - أي العلم بالنجاسة - كي يتحقق شرط صحة الصلاة وذلك من خلال إجراء الاستصحاب، فإنه إذا جرى استصحاب الطهارة حيث إنَّ الثوب كان طاهراً سابقاً والآن يشك في ذلك فالعلم بوقوع الصلاة في النجاسة قد زال بسبب هذا الاستصحاب، فإذاً الامام لم يقصد من إجراء استصحاب الطهارة اثبات الطهارة وأنَّ الصلاة متوفر فيها شرطها، وإنما الهدف من إجراء هذا الاستصحاب هو إزالة العلم بالنجاسة، فذكر عليه السلام الاستصحاب هو من باب إثبات عدم تحقق المانع من صحة الصلاة وليس لإثبات صحة الصلاة من باب توفّر شرط الصحة - وهو الطهارة - وإنما لإزالة المانع من صحتها حيث ينتفي احراز النجاسة بالاستصحاب، وعليه فالمكلف حين الصلاة بسبب هذا الاستصحاب لا يكون محرّزاً للنجاسة والمانع من صحة الصلاة لا يكون متحققاً.


[1] هذا في مقابل صاحب الكفاية.
[2] هذا في مقابل شريف العلماء.
[3] فوائد الأصول، النائيني، ج4، ص346- 348.