الأستاذ الشيخ باقر الايرواني

بحث الأصول

43/04/14

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع: - الأدلة على حجية الاستصحاب - مبحث الاستصحاب - الأصول العملية.

الجواب الثاني:- ما نقله الشيخ الأعظم(قده) في الرسائل[1] عن أستاذه شريف العلماء وحاصله:- إنَّ الاستصحاب يولد حكماً ظاهرياً، وحينما يجري في أثناء الصلاة وإلى ما بعد انتهاء الصلاة يكون الحكم الظاهري بطهارة الثوب متحققاً، ثم بعد أن انكشف الخلاف نقول إنَّ الامام عليه السلام يرى إجزاء الحكم الظاهري عن الحكم الواقعي حتى لو انكشف خلافه.

هل هذا الجواب يغاير الجواب الأول أو أنهما نفس الروح وإنما الاختلاف هو في الألفاظ فقط؟

ذكر السيد الخوئي(قده)[2] :- إنَّ ما ذكره شريف العلماء(قده) هو نفس ما ذكره الشيخ الخراساني(قده) والوجه في ذلك هو أنه بعد أن جرى الاستصحاب ثم اكشف خلافه وأنَّ الثوب نجس كيف يحكم بعدم لزوم الاعادة؟!! إنه لا نكتة لذلك إلا أن يكون الشرط هو الإحراز، وبذلك عاد هذا الوجه إلى الوجه السابق، إذ لو لم نبنِ على كفاية الإحراز لم نبنِ على الإجزاء.

ونحن نقول: - هناك فرقٌ بين فكرة صاحب الكفاية(قده) التي قال فيها إنَّ الشرط هو الإحراز وبين فكرة الإجزاء التي تمسك بها شريف العلماء(قده)، أما بالنسبة إلى الاحراز فلا يمكن أن ينكشف بطلان إحرازه فإنَّ الإحراز صفة ثابتة في الواقع، فأنا محرزٌ أنَّ ثوبي طاهر، فهذا الاحراز صفة واقعية ويقال إني محرزٌ، ثم لو صليت ووجدت النجاسة بعد الصلاة صفة الإحراز حين الصلاة لازالت ثابتة ويصدق أني محرزٌ واقعاً للطهارة حين الصلاة، فالإحراز صفة واقعية لا يمكن أن ينكشف خلافها، نعم بعد أن أتممت الصلاة واطّلعت على أنَّ الثوب نجس يتضح أنَّ احرازي مخطئ لا أنه ليس لي إحراز، وفرقٌ بين الطلبين، فإذاً الاحراز صفة واقعية ثابتة حتى لو انكشف الخلاف فإنَّ صفة الإحراز موجودة من أوّل الصلاة إلى آخرها، وهذا بخلافه بناءً على فكرة الإجزاء حيث يقال قد انكشف بعد الصلاة أنَّ الثوب حين الصلاة لم يكن طاهراً واقعاً فتأتي آنذاك فكرة أنَّ ما أتيت به يكون مجزَّياً وكافياً عن اعادة الصلاة أو لا يكون مجزياً.

فإذاً في فكرة الإحراز لا يمكن تصوّر انكشاف الخلاف حين الصلاة ويصدق بعد الصلاة أني كنت محرزاً حقيقةً للطهارة حين الصلاة، فالإحراز صفة واقعية، وهذا بخلافه في مسألة الإجزاء، فحينما أنتهي من الصلاة أقول كان ثوبي حين الصلاة نجساً واقعاً غايته أنه متصفٌّ بالطهارة الظاهرية، فهنا يأتي الكلام في علم الأصول بأنَّ الثوب النجس الواقعي والمحكوم بالطاهرة واقعاً هل يجزي عن الاعادة أو لا؟، وهذا كلامٌ آخر غير الكلام الأوّل الذي هو صفة الإحراز، وعليه يكون الفرق بين الجوابين واضحاً.

وإذا قيل: - إذا لم يبنِ على أنَّ الشرط هو الإحراز كيف يبنى على الإجزاء؟!! فالحكم بالإجزاء مبنيٌّ أو يلازم فكرة أنَّ الشرط هو الإحراز؟

قلت: - إنَّ أصحاب فكرة إجزاء الحكم الظاهري يقولون إنه رغم أنَّ الحكم الظاهري مخالف للواقع ولكن قد نبني على كفاية امتثاله من دون الحاجة إلى التمسك والعود إلى فكرة الاحراز، نعم هو حكمٌ ظاهريٌ مخطئٌ ولكن رغم أنه مخطئ نحن يبنى على أنّه مجزٍ لنكاتٍ تذكر في مبحث الإجزاء، فالإجزاء ليس من باب أنَّ الشرط هو الإحراز وإنما من باب نكاتٍ أخرى، كأن يقول إنَّ الحكم الظاهري يفي بمقدارٍ من المصلحة ولا دليل على وجوب استيفاء تمام المصلحة بل يكفي إدراك بعضها، فهذا وأمثاله قد يذكر في مبحث الإحراز وليس من جهة أنَّ الشرط هو الإحراز، فالأمر ليس من هذه الناحية وإنما لنكاتٍ أخرى، وليس منشأ الحكم بالإجزاء في باب الحكم الظاهري هو فكرة أنَّ الشرط الأساسي واقعاً هو الإحراز، بل الشرط ليس هو الإحراز وإنما هو الطهارة الواقعية ولكن رغم ذلك حينما تأتي بالطهارة الظاهرية فهي تفي بمقدارٍ من المصلحة، وحيث لا دليل على لزوم الاعادة فيقوم هذا المقدار من المصلحة مقام المصلحة الواقعية التامة.


[1] فرائد الأصول، الأنصاري، ج3، ص60.
[2] مصباح الأصول، الخوئي، ج3، ص57.