الأستاذ الشيخ باقر الايرواني

بحث الأصول

43/04/11

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع: - الأدلة على حجية الاستصحاب - مبحث الاستصحاب - الأصول العملية.

وأما الأمر الثاني: - فيمكن توجيه التعميم بأنَّ الامام عليه السلام ذكر تعليلاً حيث قال:- ( لأنك كنت على يقين )، وهذه العلَّة لا تختص بهذا المورد بل يفهم من الرواية عمومها لليقين السابق والشك في البقاء اللاحق في جميع الموارد، فإذا كانت العلَّة هي اليقين السابق والشك اللاحق والمفروض أنَّ هذا موجود في بقية الموارد فإذاً العلَّة تعمّم إلى بقية الموارد ،كما لو قيل ( لا تأكل كذا لأنه حامض ) فنحن نفهم منه النهي عن كلّ حامض، وهنا الأمر كذلك، فإنَّ تعبير الامام عليه السلام ( لأنك كنت على يقين ) يعني كلّما كان عندك يقين وشككت في البقاء فابنِ على بقائه، وهذا من الأمور الواضحة، مضافاً إلى التعبير بكلمة ( لا ينبغي ) لأنَّ الوارد في الرواية هو:- ( قلت:- لم ذلك؟ قال:- لأنك كنت على يقين من طهارتك ثم شككت فليس ينبغي لك أن تنقض اليقين بالشك أبداً )، فالتعبير بـ( فليس ينبغي ) كأنما يريد الامام عليه السلام أن يقول له إن هذا مطلب عقلائي واضح، والذي هو واضح هو العموم لكل يقين لا خصوص اليقين بالطهارة وكلّ شك في البقاء لا خصوص اليقين بالطهارة والشك في بقائها، فهو يعم اليقين بالعدالة والشك في بقائها واليقين بالحياة والشك في بقائها ... وهكذا.

وأما الأمر الثالث:- فإنه يوجد إشكال في تطبيق الاستصحاب في مورد الرواية، والاشكال واضح، وحاصله:- إنَّ زرارة بعد ذلك رأى بعينه النجاسة في ثوبة فإذاً هو متيقن من أنَّ صلاته حصلت في النجاسة فكيف يجري الاستصحاب؟!! إنما الاستصحاب يجري في مورد الشك ولكن زرارة عنده يقين بالنجاسة، لأنَّه رأى النجاسة بعد ذلك، فهو قال: - ( فإن ظننت أنه قد أصابه ولم أتيقن ذلك فنظرت فلم أر شيئاً ثم صليت فرأيت فيه )، فحتماً صلاته وقعت في النجاسة، ومعه لا مجال لجريان الاستصحاب، إذ المورد يصير من نقض اليقين باليقين لا من نقض اليقين بالشك، وهذا إشكالٌ يسجل على الرواية فكيف الجواب عنه؟

هناك عدَّة أجوبة عن هذا الاشكال: -

الجواب الأول:- ما ذكره الشيخ الخراساني(قده)، وحاصله:- إنَّ الشرط هو إحراز الطهارة وأنَّ الثوب طاهر وليس الشرط هو وجود الطهارة للثوب واقعاً وثبوتها، والمفروض أنَّ زرارة يحرز بالاستصحاب أنَّ ثوبه طاهر، لأنه كان متيقناً من طهارته في بداية الأمر وبعد ذلك شك فيجري الاستصحاب، والاستصحاب يعبّده ويحرز له أنَّ الثوب طاهر، ومعه تكون الصلاة واقعة بتمامها مع الشرط وهو الاحراز، نعم بعد أن تمت الصلاة رأى النجاسة وهذا لا يعني أنَّ الإحراز ليس بموجودٍ أثناء الصلاة، نعم يزول الإحراز من حين الرؤية، أما أثناء الصلاة فالإحراز موجودٌ فتكون الصلاة صحيحة، قال:- ( إنَّ الشرط في الصلاة فعلاً حين الالتفات إلى الطهارة هو إحرازها ولو بأصلٍ أو قاعدة لا نفسُها فتكون قضية استصحاب الطهارة حال الصلاة عدم اعادتها ولو انكشف وقوعها في النجاسة بعدها )[1] .

وهذا التعبير من قبل الشيخ الآخوند(قده) فيه تطويل، والأحسن أن يقول: - ( وفيه:-إنَّ الشرط هو إحراز الطهارة دون الطهارة الواقعية).


[1] كفاية الأصول، الآخوند الخراساني، ص393.