الأستاذ الشيخ باقر الايرواني

بحث الأصول

43/04/09

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع: - الأدلة على حجية الاستصحاب - مبحث الاستصحاب - الأصول العملية.

الرواية الثانية: - وهي صحيحة زرارة الثانية، وهي مضمرة أيضاً كالأولى، وقد رواها الشيخ الطوسي في التهذيب [1] الاستبصار [2] وهكذا نقلها الشيخ الصدوق في علله، [3] وقد نقلها صاحب الوسائل في موارد متعددة ولكن قطّعا على الأبواب المختلفة ولم ينقلها كاملة فلذلك أحلنا على التهذيب والاستبصار والعلل، وهي تستمل على ست فقرات كل فقرة منا تشتمل على سؤال لزرارة، وشاهدنا هو في الفقرتين الثالثة والسادسة كما سوف يتضح، وقد رواها الشيخ الطوسي بسند عن الحسين بن سعيد عن حمّاد عن حريز عن زرارة قال:- ( قلت:- أصاب ثوبي دم رعاف أو غيره[4] أو شيء من مني فعلّمت أثره إلى أن أصيب له من الماء فأصبت وحضرت الصلاة ونسيت أن بثوبي شيئاً وصليت ثم إني ذكرت بعد ذلك، قال:- تعيد الصلاة وتغسله، قلت:- فإني لم أكن رأيت وضعه وعلمت أنه قد أصابه فطلبته فلم أقدر عليه فلما صليت وجدته، قال:- تغسله وتعيد. قلت:- فإن ظننت أنه قد أصابه ولم أتيقن ذلك فنظرت فلم أر شيئاً ثم صليت فرأيت فيه [ فرأيته فيه ][5] ، قال:- تغسله ولا تعيد الصلاة. قلت: - لم ذلك؟ قال: - لأنك كنت على يقين من طهارتك ثم شككت فليس ينبغي لك أن تنقض اليقين بالشك أبداً. قلت: - فإني قد علمت أنه قد أصابه ولم أدر أين هو فاغسله؟ قال: - تغسل من ثوبك الناحية التي ترى أنه قد أصابها حتى تكون على يقين من طهارتك. قلت: - فهل عليَّ إن شككت في أنه أصابه شيء أن أنظر فيه؟ قال: - لا ولكنك إنما تريد أن تذهب الشك الذي وقع في نفسك. قلت: - إن رأيته في ثوبي وأنا في الصلاة؟ قال: - تنقض الصلاة وتعيد إذا شككت في موضع منه ثم رأيته، وإن لم تشك ثم رأيته رطباً قطعت الصلاة[6] وغسلته ثم بنيت على الصلاة لأنك لا تدري لعله شيء أوقع عليك فليس ينبغي لك أن تنقض اليقين بالشك ).

وهي مضمرة كما ذكرنا، وكيفية علاج الاضمار ما أشرنا إليه سابقاً من البيان العام - الذي ذكرناه في صحيحة زرارة الأولى - وذلك بان نقول:- إنّ ظاهرة الاضمار ظاهرة ملفتة للنظر وعلى خلاف الطريقة العقلائية والحالة الغالبة، فلو جاء شخص وقال ( قلت له ) فهذا فسوف يستنكر منه ذلك إلا إذا ذكر الاسم، فظاهرة الاضمار ظاهرة ملتفة للنظر ولا تصح إلا إذا كان مرجع الضمير معهوداً بين الطرفين، وحيث لا مرجع معهود بين الطرفين سوى الامام عليه السلام فيكون ذلك قرينة على كون المقصود من الشخص المضمر هو الامام عليه السلام، وهذا البيان يحل مشكلة كل المضمرات لا خصوص من عُرِف أنه لا يليق به أن يروي إلا عن الامام عليه السلام كزرارة وأبي بصير وما شاكلهما بل ينفع في الرواة العاديين، ويؤيد ذلك ويدعمه ما في العلل، فإنه رواها مسندة بسند صحيح إلى أبي جعفر عليه السلام حيث وراها عن أبيه عن علي بن إبراهيم عن أبيه عن حمّاد عن حريز عن زرارة عن أبي جعفر عليه السلام.

وعليه لا توجد مشكلة في البين.

وقلنا هذه الصحيحة تشمل على ست فقرات وكل فقرة تشمل على سؤال، والشاهد هو في الفقرة الثالثة وفي الفقرة السادسة، ولكن قبل أن نتحدث عن هذين الفقرتين نشير شيء:- وهو أنه قيل في الفقرة الأولى- السؤال الأول - ( قلت:- أصاب ثوبي دم رعاف أو غيره[7] أو شيء من مني فعلّمت أثره إلى أن أصيب له من الماء فأصبت وحضرت الصلاة ونسيت أن بثوبي شيئاً وصليت ثم إني ذكرت بعد ذلك، قال:- تعيد الصلاة وتغسله ) فهي واردة في الناسي وقد دلت على أنّ الناسي يعيد الصلاة مادام يدري قبلاً بوجود النجاسة وصلى ثم التفت بعد الصلاة، وهذا الحكم قد دلت عليه هذه الفقرة كما دلت عليه روايات أخرى، وعلى ذلك فتوى الفقهاء، ولكن توجد رواية واحدة للعلاء بن رزين تدل على عدم وجوب الاعادة، وقد وقع الكلام في كيفية الجمع والتوفيق بينها وبين غيرها من الروايات ولكن ذلك موكول إلى محلّه من الفقه.

وأما السؤال الثاني في الفقرة الثانية: - فهو ناظر إلى حالة العلم الاجمالي، وهو أنه من علم بأن النجاسة أصابت ثوبه ولكن لا يدري أين موضعها ثم اتضح له بعد الصلاة أنه صلى في النجس جزماً فهذا يعيد صلاة، وهذا الحكم من الواضحات ولا مخالفة فيه، لأنه من بداية الصلاة يعلم أنه نجس غايته أنه لا يشخّص مكان النجاسة فلا تجوز مثل هذه الصلاة.

والمهم هو السؤال الثالث: - وهو ما إذا ظن المكلف بالإصابة من دون جزمٍ فهل يجب عليه النظر والفحص؟ أجاب الامام عليه السلام بعدم وجوب الفحص، حيث قال ( لأنك كنت على يقين من طهارتك فشككت وليس ينبغي لك أن تنقض اليقين بالشك أبداً ).

والكلام يقع في مقامات ثلاثة: -

المقام الأول: - في أصل دلالتها على الاستصحاب.

المقام الثاني: - هل تدل هذه الفقرة على حجية الاستصحاب في باب النجاسة والطهارة فقط أو تعم بقية الأبواب.

المقام الثالث: - في كيفية تطبيق الاستصحاب في مورد الرواية، لأنه يوجد إشكال في تطبيق الاستصحاب في موردها.


[1] تهذيب الأحكام، شيخ الطائفة، ج1، ص421.
[2] الإستبصار، الشيخ الطوسي، ج1، ص183.
[3] علل الشرائع، الشيخ الصدوق، ج2، ص361.
[4] المناسب بحسب المعنى أن كلمة ( غيره ) معطوفة على ( رعاف ) فتكون مجرورة، والقرينة على ذلك هو ذكر كلمة ( شيء ) التي جاءت بعدها لأن لأنه لو كان المقصود من كلمة ( غير ) هو غير الدم كالمني فلا داعي لذكر كلمة ( شيء ) بعدها، أما كلمة شيءٌ - بالضم _ تصير معطوفة على كلمة دم.
[5] هكذا موجود في العلل.
[6] والمقصود من قطعت الصلاة يعني اشتغل بالتطهير إذا كان الماء قريباً منك ولم يؤثر فعلك على محو صورة الصلاة، أما إذا كان الماء بعيداً فهنا سوف تبطل صورة الصلاة.
[7] المناسب بحسب المعنى أن كلمة ( غيره ) معطوفة على ( رعاف ) فتكون مجرورة، والقرينة على ذلك هو ذكر كلمة ( شيء ) التي جاءت بعدها لأن لأنه لو كان المقصود من كلمة ( غير ) هو غير الدم كالمني فلا داعي لذكر كلمة ( شيء ) بعدها، أما كلمة شيءٌ - بالضم _ تصير معطوفة على كلمة دم.