الأستاذ الشيخ باقر الايرواني

بحث الأصول

43/04/03

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع: - الأدلة على حجية الاستصحاب - مبحث الاستصحاب - الأصول العملية.

وفي الجواب نقول: - إنَّ هذا يتم فيما إذا فسّرنا الوضوء بالغسلات والمسحات، ولكن هذا مرفوض، فإنَّ الوضوء شيء آخر وهو الطهارة الاعتبارية الحاصلة بالغسلات والمسحات، فالغسلات والمسحات سببٌ والطهارة مسبَّب، وإذا كان الأمر كذلك فنقول إنَّ الآية الكريمة حينما عبّرت بالوضوء قصدت الطهارة، والطهارة لها حدوث وبقاء ونشك في بقائها، وحينئذٍ سوف تنطبق الرواية على الاستصحاب لا على قاعدة المقتضي والمانع فإن ذلك يتم فيما إذا فرض أنَّ الوضوء عبارة عن الغسلات والمسحات ولكن الأمر ليس كذلك، بل الوضوء هو الطهارة المسبَّبة، فيصير أمراً وحدانياً قابلاً للحدوث والبقاء، وعلى هذا الأساس يكون هذا التقريب مرفوض.

إن قلت: - إنَّ هذا احتمال وذاك احتمال، فيحتمل أن يكون المقصود هو الغسلات والمسحات، كما يحتمل أن يكون المقصود هو الطهارة المسبَّبة، فتصير الرواية مجملة، ولا يمكن أن يتمسك بها لإثبات حجية للاستصحاب إذ لعل المقصود بها قاعدة المقتضي والمانع، وحينئذٍ لا يمكن التمسك بها لإثبات حجية الاستصحاب.

والجواب: - إنه توجد قرينة أو قرينتان على كون المقصود هو الاستصحاب: -

القرينة الأولى: - اتحاد متعلَّق اليقين والشك، فهو له يقين بالوضوء وشكٌّ بالوضوء، وهذا الاتحاد لا يكون إلا في باب الاستصحاب، وأما في باب المقتضي والمانع المتعلّق يكون مختلفاً ومتعدداً.

القرينة الثانية: - التعبير بكلمة النقض حيث قال عليه السلام: - ( لا تنقض اليقين بالشك ) والنقض لا يصدق إلا في مورد وحدة الشيء، أما إذا كان الشيء متعدداً كما في قاعدة المقتضي والمانع فالنقض لا يتصوَّر.

والفارق بين هاتين القرنيتين وهذين الجوابين: - هو أنه في الجواب الأول لاحظنا وحدة المتعلَّق مع غضّ النظر عن كلمة النقض، أما الجواب الثاني فالاتكاء فيه ليس على وحدة المتعلَّق وإنما على كلمة ( النقض )، فإنَّ كلمة النقض لا يصح اطلاقها عرفاً إلا مع وحدة المتعلَّق.

فإذاً هذا البيان الذي ذكر لإثبات أنَّ صحيحة زرارة الأولى يمكن أن نقول هي ناظرة إلى قاعدة المقتضي والمانع قابل للمناقشة لما أشرنا إليه.

البيان الثاني: - أن يقال:- إنَّ المورد هو من الشك السببي والمسبَّبي، بمعنى أنَّ الشك في بقاء الطهارة الوضوئية مسبَّب عن الشك في صدور الحدث، والشك الأول – يعني الشك في بقاء الوضوء - هو شك مسبَّبي، والشك الثاني هو شك سببي، وقد سلّمنا أنَّ الاستصحاب الجاري في الشك السببي مقدّمٌ على الاستصحاب الجاري في الشك المسبَّبي، وسوف تصير النتيجة هي أنَّ الاستصحاب لابد وأن يُجرى في الناقض، فنستصحب عدم تحقق الناقض - أي النوم - لا أن نستصحب بقاء الطهارة الوضوئية، لأنَّ الشك في بقاء الطهارة الوضوئية مسبَّب عن الشك في صدور الحدث وعدم صدوره، وكلما اجتمع شكان أحدهما سببي والآخر مسبَّبي يكون الجاري هو الأصل الجاري في الأصل السببي ويكون حاكما على الأصل الجاري في الشك المسبَّبي، بينما الامام عليه السلام أجراه في الشك المسبَّبي، أي أنه أجراه في الطهارة حيث قال:- ( وإلا فهو على يقين من وضوئه ولا ينقض اليقين بالشك ) دون الشك السببي، وحيث إنَّ هذا باطل كما ثبت في علم الأصول فيتيعن أن نحمل صحيحة زرارة الأولى على النظر إلى شيءٍ آخر غير الاستصحاب وهو النظر إلى قاعدة المقتضي والمانع.

ويردّ:- إنه لا ينبغي تحكيم المباني الأصولية على الروايات فإنه هذا لا معنى له، يعني صحيح أنه ثبت في علم الأصول أنَّ الأصل الجاري في السبب مقدَّم على الأصل الجاري في المسبَّب ولكن هذا لا ينبغي أن نحكّمه على الرواية، بل ينبغي أن يكون الأمر بالعكس، فنحن نخالف القاعدة الأصولية بالمخصّص الروائي، فصحيحة زرارة الأولى تصير مخصِّصة للقاعدة، فيصير التخصيص هكذا:- ( كلما كان عندنا أصلان احدهما سببي والآخر مسبَّبي فالأصل الجاري في السبب مقدّم على الأصل الجاري في المسبَّب إلا باب الوضوء لصحيحة زرارة فإنها قدّمت الأصل في المسبَّب على الأصل في السبب )، وعملية التخصيص هذه لا مانع منها.

مضافاً إلى أنه لو تنزّلنا وسلّمنا بأنَّ الأصل السببي مقدّم على الأصل المسبَّبي دائماً من دون أن يشذَّ منه مورد لكن نقول:- إنَّ هذا يكون في الأصلين المتخالفين دون الأصلين المتوافقين فإنَّ حكومة الأصل السببي على الأصل المسبَّبي نسلّم بها في الأصلين المتخالفين في النتيجة، فالأصل السببي هنا يكون مقدّماً على الأصل المسبَّبي، وأما إذا كانت نتيجتهما متوافقة كما في موردنا فإنَّ إجراء الاستصحاب في الوضوء يتفق من حيث النتيجة مع اجراء الاستصحاب في عدم تحقق النوم، ومع توافقهما من حيث النتيجة لا نسلّم بأن هذا الأصل حاكم على ذاك - فإنه يوجد كلام في هذه المسألة وهو أنَّ الأصل الحاكم مقدَّم على الأصل المحكوم مطلقاً أو في صورة الاختلاف بحسب النتيجة بينهما - فنقول إنَّ صحيحة زرارة الأولى تدل على أنَّ الأصلين السببي والمسبَّبي كانا متفقين من حيث النتيجة فحينئذٍ لا يكون الأصل السببي حاكماً، بل يمكن الأخذ بالأصل المسبَّبي، والأصل المسبَّبي في موردنا هو الطهارة، والأصل السببي هو استصحاب عدم النوم، وحينئذٍ يمكن إجراء هذا الأصل أو ذاك، وإنما تتم فكرة الحكومة فيما إذا كان الأصلان مختلفين من حيث النتيجة.