الأستاذ الشيخ باقر الايرواني

بحث الأصول

43/04/02

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع: - الأدلة على حجية الاستصحاب - مبحث الاستصحاب - الأصول العملية.

وقبل أن ننتقل إلى صحيحة زرارة الثانية نتعرّض لقاعدة المقتضي والمانع: -

والنكتة في التعرض لهذه القاعدة هنا هو أنَّ صاحب الجواهر(قده) حاول أن يستفيد قاعدة المقتضي والمانع من هذه الصحيحة، والفرق بين قاعدة المقتضي والمانع وبين الاستصحاب هو إنه في باب الاستصحاب يوجد شيء واحد نتيقن بحدوثه ونشك في بقائه، فهو شيءٌ واحدٌ متيقن الحدوث مشكوك البقاء، وأما في باب قاعدة المقتضي والمانع - لو تمت - يوجد شيئان مقتضي يعني علّة الشيء فيوجد يقين بعلَّة الشيء وشك في تحقق المانع، وهنا وقع الكلام في أنه إذا كان المقتضي موجوداً جزماً والمانع مشكوك فهل يبنى على تحقق المقتضى أو لا، فإن قلنا يبنى على تحقق المقتضى فهذا معناه أنَّ قاعدة المقتضي والمانع تامّة وإلا فلا.

وقبل أن نذكر بيانان لتمامية قاعدة المقتضي والمانع نقول: - يظهر من صاحب الجواهر(قده) تمامية هذه القاعدة، فإنه ذكر في الجواهر مطلباً لا يتم إلا بناءً على تمامة قاعدة المقتضي والمانع، فهو لم يصرح بأنَّ هذه القاعدة تامة ولكنه ذكر مطلباً يتلاءم مع تماميتها، حيث قال لو مات شخصٌ وكان عنده ولدان أحدهما مسلم جزماً والآخر كافراً ويّشك في اسلامه فهل يرث هذا المشكوك اسلامه أو لا؟ فقد يقال هو لا يرث لاستصحاب عدم إسلامه إلى حين موت والأب، وعلَّق صاحب الجواهر(قده) وقال:- لا يمكن أن نقول هو لا يرث فإنَّ الاسلام ليس شرطاً في الإرث وإنما الكفر مانعٌ، وحيث لم يثبت المانع والمفروض أنَّ المقتضي للإرث موجودٌ - وهو الانتساب للميت فإنه ابنه - فحينئذٍ المناسب أنه يرثه، قال: - ( بأنَّ ذلك[1] يقتضي عدم الحكم بإسلامه قبل موت الأب وذلك لا يكفي في نفي الإرث المقتضي له نفس الولدية والكفر والرق مانعان لا الاسلام والحرية شرطان حتى يكفي فيه عدم تحقق الشرط )[2] ، فعبارته واضحة وصريحة في أنَّ المورد من اليقين بالمقتضي والشك في تحقق المانع والمناسب في مثل هذه الحالة أن نبني على تحقق المقتضَى، ولذلك حكم بالإرث.

وقد يتمسك بصحيحة زرارة الأولى المتقدّمة لإثبات تمامية قاعدة المقتضي والمانع وذلك ببيانين: -

البيان الأول: - إنَّ الوضوء عبارة عن الغسلات والمسحات وليس عبارة عن ذلك الأمر الواحد المتحقق بالغسلات والمسحات الذي هو عبارة عن الطهارة حتى يتقين بالحدوث ويشك في البقاء، يعني إذا فسّرنا الوضوء بذلك الأمر الوحداني المنطبق والحاصل بالغسلات والمسحات فيمكن أن نتصوّر الاستصحاب، فهناك يقينٌ بحدوث ذلك الأمر الواحد وشكٌّ في انتقاضه وبقائه، أما إذا فسرنا الضوء بالغسلات والمسحات فحينئذٍ لا معنى لجريان الاستصحاب وإنما تجري قاعدة المقتضي والمانع فيقال المقتضي للطهاة موجود جزماً وهو الغسلات والمسحات ويشك في تحقق المانع - يعني الناقض لما اقتضته الغسلات والمسحات - والامام عليه السلام قال ( ولا تنقض اليقين ) يعني بالغسلات والمسحات من خلال الشك في الحدث.

فإذاً الصحيحة ناظرة إلى مسألة المقتضي والمانع بعد تفسير الوضوء بالغسلات والمسحات لا تفسيره بالطهارة التي هي أمر وحداني، فإذا فسّرنا الوضوء بالغسلات والمسحات فحينئذٍ تكون الرواية قابلة للحمل على قاعدة المقتضي والمانع، ولا أقل من الاحتمال فتصير مردَّدة بين الاستصحاب وقاعدة المقتضي والمانع، فلا يمكن التمسك بها لحجية الاستصحاب.

والجواب: -

أولاً: - إنه في باب قاعدة المقتضي والمانع يكون متعلّق اليقين مختلفاً عن متعلّق الشك، فاليقين يتعلَّق بالمقتضي والشك يتعلَّق بالمانع، فالمتعلَّق مختلف، بينما في باب الاستصحاب المتعلَّق واحدٌ وليس بمختلف، وظاهر الصحيحة الأولى وحدة متعلَّق اليقين والشك وهو الوضوء، فإنَّ الرجل على يقين بالوضوء ثم شك في الوضوء، ووحدة متعلّق اليقين والشك شاهدُ صدقٍ على أنَّ هذه الصحيحة ناظرة إلى باب الاستصحاب وليس إلى قاعد المقتضي والمانع، فإنه في قاعدة المقتضي والمانع يكون المتعلّق مختلفاً.

ثانياً: - إنَّ الامام عليه السلام قال: - ( لا ينقض الوضوء )، فهو استعان بمصطلح ( لا ينقض ) وهذا المصطلح لا يمكن الاستعانة به إلا في مورد تحاد المتعلَّق، أما إذا لم يفترض أنَّ المتعلَّق لليقين والشك واحداً وكان مختلفاً فالنقض لا معنى له بعد اختلاف المتعلَّق، فاستعانة الامام عليه السلام بلفظ النقض حيث قال ( ولا ينقض اليقين بالشك ) إن دلَّ على شيءٍ فإنما يدل على أنَّ المتعلَّق لليقين والشك واحداً، ولا يكون واحداً إلا في باب الاستصحاب.


[1] أي الشك في إسلامه.
[2] جواهر الكلام، الجواهري النجفي، ج40، ص504.