الأستاذ الشيخ باقر الايرواني

بحث الأصول

43/04/01

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع: - الأدلة على حجية الاستصحاب - مبحث الاستصحاب - الأصول العملية.

خلاصة التقريب السادس: - إنَّ قيد ( من وضوئه ) متعلَّق بالكون المقدَّر، يعني ( وإلا فهو كان من جهة وضوئه على يقين ) وبذلك تعود كلمة اليقين مطلقة غير مقيدة بقيد ( من وضوئه ) إذ هذا القيد مرتبطاً بكلمة كون أو كائن – يعني ( وإلا فهو كائن من جهة وضوئه على يقين ) - وإذا كانت مطلقة ارتفع الاشكال لأنَّ الصغرى وردت فيها كلمة اليقين مطلقة والكبرى كذلك تعم كل يقين.

إن قلت: - هذه المنشأية والكينونة هي أيضاً نحوٌ من التقييد لليقين.

قلت: - إنَّ هذه قضية مرفوضة عرفاً، فإنَّ العرف لا يرى الكينونة المذكورة قيداً لليقين، بل تبقى كلمة اليقين مطلقة، فإذا بقيت مطلقة فنتسمك آنذاك بإطلاقها، وحينئذٍ يتم هذا التقريب.

والجواب: - إنَّ هذا احتمال وجيه، ولكن احتمال تعلق قيد ( من وضوئه ) بكلمة ( يقين ) يبقى وجيه أيضاً، وحيث إنَّ الرواية مردّدة بين احتمالين فلا يمكن التمسك بها لإثبات حجية الاستصحاب في غير باب الوضوء وإنما تثبت حجيته في باب الوضوء فقط.

إن قلت: - إذا كانت كملة ( من وضوئه ) متعلقة بكلمة ( يقين ) فالمناسب التعبير بالباء لا التعبير بـ( من )، أي يقال ( وإلا فإنه على يقين بوضوئه ) ولا يقال ( من وضوئه ) بالتعبير بـكلمة ( من ) دون الباء يضعف من احتمال كون الجار والمجرور متعلّق بكملة ( يقين ) وإنما و متعلق بكلمة ( كائن ) المقدَّرة، فتصير الصحيحة تامة الدلالة على حجية الاستصحاب في مطلق الموارد.

قلت: - إنَّ هذه دقة غير عرفية فتكون مرفوضة عرفاً، بل كلا التعبيرين صحيح عرفاً وعلى كلا التقديرين يكون القيد قيداً لليقين، وعليه سوف تعود الرواية مجملة من هذه الناحية، فلا يصح التمسك بها إلى الآن.

التقريب السابع:- ما أفاده الشيخ النائيني(قده)[1] وحاصله:- إنَّ كلمة ( من وضوئه ) إنما ذكرت من باب أنَّ اليقين يحتاج إلى مضافٍ إليه فإنه من الصفات ذات الاضافة، فتقول ( عندي يقين بكذا ) وإلا فاليقين لوحده لا يصح استعماله، وباتضاح هذا نقول إنَّ كلمة ( من ضوئه ) ذكرت من باب أنَّ اليقين يحتاج إلى مضافٍ إليه يرتبط به، فهو ذكر من هذا الباب لا من باب تقييد اليقين حتى تصير الرواية خاصة بخصوص اليقين بالوضوء، وإنما هي عامة لكل يقين، لأنَّ كلمة ( من وضوئه ) جاءت من باب أنَّ اليقين من الصفات ذات الاضافة.

وجوابه واضح: - حيث نقول إنَّ هذا احتمال وذاك احتمال فعادت الرواية مجملة، فيحتمل أنَّ قيد ( من ضوئه ) ذكر من باب أن اليقين يحتاج دائماً إلى طرفٍ مضاف إليه وليس من باب خصوصيةٍ لباب الوضوء، كما يوجد احتمال آخر وهو أنه قيّد بقيد ( من ضوئه ) من باب الخصوصية للوضوء فتصير الرواية دالة على حجية الاستصحاب في باب الوضوء فقط.

التقريب الثامن: - وهو أمتن التقريبات، وذلك بأن يقال: - إنَّ التعليل دائماً لابد وأن يكون بأمرٍ ارتكازي وليس بأمرٍ تعبّدي، إذ الهدف منه الاقناع وهو إنما يتحقق فيما إذا كان التعليل بأمرٍ ارتكازي، والمرتكز في الأذهان أنَّ الخصوصية لليقين والشك كل يقين ولا خصوص اليقين في باب الوضوء وإلا صار التعليل ليس بأمرٍ ارتكازي عقلائي، وحيث إنه تعليل بأمرٍ ارتكازي عقلائي فيدل على أنَّ المقصود أنه لا ينقض أيّ يقين بالشك، لا خصوص اليقين بالوضوء.

إن قلت: - من قال إنَّ هذا تعليل بأمر ارتكازي فإنه يحتاج إلى مثبت؟

قلت: -

أولاً: - إنه قد ورودت كلمة ( لا ينبغي ) ولو في بعض الروايات حيث قالت ( ولا ينبغي نقض اليقين بالشك )، والتعبير بها هو بنفسه شاهد صدق على أنه تعليل بأمرٍ ارتكازي وإلا لا يصح التعبير بكلمة ( لا ينبغي ).

ثانياً: - إنَّ نفس التعليل يدل على أنه بأمر ارتكازي، إذ لو لم يكن بأمرٍ ارتكازي فلا معنى لذكر التعليل، إذ الهدف من التعليل هو اقناع الطرف الثاني، ولا يحصل الاقناع إلا بكون التعليل بأمرٍ ارتكازي.

إن قلت: - إننا فيما سبق ذكرنا أنَّ من أحد الأدلة على الحجية الاستصحاب هو السيرة وقد شكّكنا فيها، ومادمت قد شككت في السيرة فكيف تمسكت الآن بالارتكاز فإنَّ هذا نحو تهافتٍ بين المطلبين؟

قلت:- الارتكاز مرَّة يكون قوياً إلى درجةٍ يتسرب إلى السلوك الخارجي للعقلاء ويصير بذلك سيرةً عقلائية، وأخرى لا يكون قوياً بتلك الدرجة فلا يتجسد في عمل العقلاء على مستوى السيرة ولكنه يبقى ارتكازٌ بدرجةٍ مخفَّفة، فالارتكاز لا يلازم التجسد على مستوى السيرة، ومن هنا يقال في الروايات أو في التعابير العقلائية ( الخمر حرام لأنه مسكر ) ويراد أن يقال ( مادام أنه مسكر فليس من المناسب أن يكون جائزاً وحلالاً ) وهذا تعليل بأمرٍ ارتكازي والحال أنه لم يبلغ درجة السيرة، أو الرواية تقول ( ماء البئر واسع لا يفسده شيء لأنَّ له مادة ) فهذا تعليل بأمرٍ ارتكازي، فمعنى أنه له مادَّة يعني أن له ما يمدّه فلا يتنجس، ولكن هذا ليس ارتكازاً قوياً يتجسد على مستوى السيرة، أو يقال ( أكرم فلاناً لأنه عالم ) فهذا تعليلٌ بأمرٍ ارتكازي أيضاً ولكن هذا الارتكاز ليس قوياً بدرجة قوية بحيث يتجسد على مستوى السيرة الخارجية للعقلاء، فإذاً الارتكاز لا يلازم السيرة الخارجية.

وحيث إنَّ التعليل المذكور هو بأمر ارتكازي فلابد وأن يكون المدار على كل يقين وليس على اليقين في خصوص باب الوضوء، خصوصاً وأنه توجد قرينة جيدة تنفعنا في اثبات التعميم وهي قوله عليه السلام ( أبداً ) في قوله ( ولا تنقض اليقين أبداً بالشك)، فكلمة ( أبداً ) تتناسب مع كل يقين لا خصوص اليقين بباب الوضوء، وبذلك يثبت التعميم.


[1] أجود التقريرات، الخوئي، ج2، ص359. فوائد الأصول، النائيني، ج4، ص337.