الأستاذ الشيخ باقر الايرواني

بحث الأصول

43/03/30

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع: - الأدلة على حجية الاستصحاب - مبحث الاستصحاب - الأصول العملية.

الجواب الخامس: - أن يقال إنَّ اللام في كلمة اليقين إما جنسية أو عهدية، وحيث لا يحتمل أنها عهدية حيث ذكرت هذه القاعدة في مجالات أخرى غير باب الوضوء - حيث وردت هذه القاعدة في باب الطهارة والنجاسة وفي باب اعارة الثوب للذمي- فبقرينة تطبيق هذه القاعدة على أبوابٍ أخرى تكون اللام الواردة في كلمة اليقين جنسية وليست عهدية، وإذا ثبت كونها جنسية ثبت مطلوبنا.

وفي الجواب نقول: - يمكن أن تكون اللام عهدية وطبقت في مورد الوضوء، وذكرت هذه الجملة - وهي ( لا تنقض اليقين بالشك ) - أيضاً في موردٍ آخر وفي صحيحة زرارة الأخرى وقصد منها العهد أيضاً طبقت في باب الطهارة والنجاسة، كما ذكرت أيضاً في بابٍ ثالثٍ وهو اعارة الثوب للذمّي وقصد بالألف واللام العهد أيضاً في هذا المورد.

فإذاً لا يوجد مانع من أن نقول بأن هذه الألف واللام عهدية في صحيحة زرارة الأولى ولا ينافي ذلك ذكرها في أبواب أخرى، فإنَّ ذكر هذه القاعدة في المورد الثاني أو الثالث يمكن حمله على العهد أيضاً، فتصير ثلاث موارد قصد من اللام فيها العهد وهي هذه التطبيقات الثلاثة ولا مانع من ذلك ولم يقصد فيها الجنس، وهذا الاحتمال موجود، فلا يثبت من ذلك حجية الاستصحاب في كل الأبواب الفقهية غير هذه الموارد الثلاثة.

ولا تقل: - إنَّ هذا بعيد، فإننا نقول: - إنَّ هذا ليس جواباً علمياً.

الوجه السادس: - أن يقال إنَّ الجار والمجرور لم يتعلَّق بكلمة يقين وإنما هو متعلَّق بكلمة كائن أو كون المقدّرة، والتقدير هكذا:- ( وإلا - يعني وإن لم يستيقن أنه قد نام - فإنه كائنٌ من جهة وضوئه على يقين )، فكلمة يقين صارت مطلقة ولم تقيد بالوضوء لأنَّ الجار والمجرور متعلَّق بكلمة كون أو كائن المقدرة، من قبيل قولك ( إني على بينة من أمري ) والمقصود هنا ( إني كائن من أمري على بينة )، فعلى هذا الأساس تعلَّق الجار والمجرور بكلمة كون أو كائن وهذا موجودة في اللغة العربية، وفي موردنا نقول بذلك[1] ، فتصير كلمة يقين مطلقة في الصغرى والمفروض أنها مطلقة في الكبرى أيضاً، فثبتت بذلك حجية الاستصحاب في مطلق الأبواب الفقهية من دون خصوصٍ إلى باب الوضوء.

يبقى شيء: - وهو أنَّ هذا احتمال وجيه ويبقى احتمال تعلق كلمة وضوء بكلمة يقين وجيه أيضاً، وابراز الاحتمال من دون نفي الاحتمال الآخر لا يكفي، بل لابد وأن ننفي احتمال تعلَّق الجار والمجرور - من وضوئه - بكلمة يقين وأنه متعلَّق جزماً بكلمة كائن، وأنت لا تتمكن من اثبات ذلك بنحو الجزم، وإنما أقصى ما عندك هو الاحتمال الوجيه فتعود الرواية مجملة حينئذٍ.

والجواب: - نحن نضم ضميمة نحل بها هذه المشكلة، وهي أن نقول لو كان الجار والمجرور قد تعلّق بكلمة يقين فالمناسب أن يكون حرف الجر هو الباء، فيقال ( فهو على يقين بوضوئه) لا أنه يقول ( من ضوئه )، فالإتيان بكلمة ( من ) إن دل على شيء فإنما يدل على أنَّ الجار والمجرور - من وضوئه - متعلَّق بكائن المقدرة وليس بكلمة يقين وإلا كان المناسب جعل حرف الجر هو الباء.

إن قلت: - أنت تخلصت من شيء ووقعت في شيءٍ آخر، فإنك تخلصت من تقييد اليقين بالجار والمجرور - أي فقرة ( من وضوئه ) - فاليقين لم يتقيد بالجار والمجرور، ولكن وقعت في شيءٍ آخر وهو أن يقال إنه سوف يلزم تقييد اليقين من حيث المنشأ وهذا نحوٌ من التقييد، فإذاً التقييد ليس من حيث المتعلَّق وإنما هو من حيث المنشأ، فالتقدير يكون هكذا:- ( إنَّ هذا اليقين ناشئ من جهة الوضوء )، وهذا تقييد لليقين أيضاً ولكن من جهة المنشأ لا من جهة الجار والمجرور، فصار هكذا:- ( وإلا فإنه على يقين وهذا اليقين كائن يعني ناشئ من جهة الوضوء )، وهذا نحوٌ من التقييد.

وفي الجواب نقول: - إن المنشأية والكينونة ليس من الأمور الصالحة عرفاً لتقييد اليقين، فأنت ذكرت قيوداً دقية وليست قيوداً عرفية، فافترض أنَّ كلمة ( من وضوئه ) متعلق بكائنٍ وكائنٌ بمعنى المنشأية ولكن بالتالي أنت أردت أن تجعل كلمة اليقين مطلقة، ونحن نقول إنَّ كل ما ذكرته من التعلّق بكلمة كائن هو احتمال عرفي، ولكن يوجد احتمال آخر وهو أنه متعلَّق بكلمة يقين، فيعود الاجمال ثابتاً في البين، فلا يمكن التمسك بالرواية.


[1] وإنما نحن نبرز هذه المحاولات لأجل الصغرى لأنه في الصغرى جاءت كلمة يقين مقيدة بالوضوء وقاعدة الاستصحاب سوف تصير مختصَّة بالوضوء، أما إذا قلنا بأنَّ الجار الجرور متعلق بكلمة كون أو كائن المقدرة فتبقى كلمة يقين مطلقة وغير مقيدة بالجار والمجرور - من وضوئه - فإذا صارت كلمة يقين مطلقة في الصغرى المفروض أنها مطلقة في الكبرى فقد.