الأستاذ الشيخ باقر الايرواني

بحث الأصول

43/03/25

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع: - الأدلة على حجية الاستصحاب - مبحث الاستصحاب - الأصول العملية.

تبين أنَّ ما ذكرناه في اثبات حجية المضمرات بشكلٍ عام هو المناسب، وليس ما جاءت الاشارة إليه في مصباح الأصول[1] :- حيث ذكر أنه يمكن أن يكون مرجع الضمير في المضمرة المذكورة هو الامام الباقر عليه السلام، وذلك لأنَّ الشيخ الأعظم(قده) في أحد تنبيهات الاستصحاب أنه عثر في فوائد السيد بحر العلوم وهكذا ذكر النراقي نسبتها إلى الامام الباقر عليه السلام، فبدلاً من أن يضمرها السيد بحر العلوم اسندها إلى الامام الباقر عليه السلام، ومن البعيد أن ينسبها السيد بحر العلوم(قده) إلى الباقر عليه السلام وهو لم يطلع على نسبة هذه الرواية إلى الامام الباقر عليه السلام، بل يمكن أن نقول أكثر من ذلك وهو إنَّه ليس من البعيد أنَّ السيد بحر العلوم قد عثر على نفس أصل زرارة وفيه رأى نسبة هذه الرواية إلى الباقر عليه السلام.

وفي مقام التعليق نقول: - إنَّ هذا مجرد احتمال لا يمكن الجزم به والبناء عليه في القضايا العلمية، بل لابد من وجود مستنداتٍ معتبرة، وما ذكره مجرد احتمال، هذا مضافاً إلى أنه لو سلَّمنا بأن السيد بحر العلوم(قده) عثر على الرواية ورأى أنها مسندة إلى الامام الباقر ولكن من قال إنَّ هذا صحيح، يعني أننا نحتاج إلى طريقٍ معتبرٍ من السيد بحر العلوم إلى زرارة يثبت أنَّ هذه النسخة صحيحة وأنها لزرارة، فما صدر من الشيخ الأعظم(قده) غريب.

إذاً اتضح أنَّ هذا القول قابل للمناقشة والمناسب ما ذكرناه.

ومن خلال ما ذكرناه يتضح التأمل فيما أفاده السيد الشهيد(قده):- فإنه جاء في تقرير بحثه[2] أنَّ الاضمار لو كان يضرّ فهو يضرّ فيما لو كان التقطيع حاصلاً من نفس الراوي دون ما إذا كان من أصحاب الكتب الذين جاءوا بعده بزمنٍ متأخرٍ عن الراوي، فالرواية حيما كانت كاملة كان اسم الامام مذكور في بدايتها ولكن حينما قطّعوا الرواية في الأبواب المختلفة حصل الاضمار، ولو ذكروها كاملةً لم يحصل هذا الاضمار.

ويرد عليه: - إنه حتى سلّمنا بأنَّ التقطيع قد حصل من أصحاب الكتب وليس من زرارة ولكن لا يمكن الجزم بأن اسم الامام عليه السلام مذكور في بدايتها وأن المسؤول هو الامام عليه السلام وإنما هو مجرّد احتمال، فهذا الكلام لا ينفعنا حتى لو قلنا بأنَّ التقطيع جاء من أصحاب الكتب.

ولعل ما ذكره السيد الشهيد(قده) جاء في كلمات غير واحدٍ من الفقهاء كصاحب الجواهر حيث قال:- ( واضماره بعد معلومية عروضه من تقطيع الأخبار لا من أصل الرواية كما بيّن في محلّه غير قادح )[3] ، وأيضاً جاءت الاشارة إليه في مصباح الفقيه حيث قال:- ( نعم كونها مذكورة في كتب الأخبار في سلك الأخبار المروية عن المعصومين وعدم الداعي لمصنفيها لنقل كلام غير المعصومين يورث الظن القوي بكونها منها )[4] ، ولعل ما ذكره مصباح الفقيه غير ما ذكره صاحب الجواهر.

فإذاً اتضح أنَّ الاضمار لا يضرَّ للبيان الذي أشرنا إليه.

وأما من حيث الدلالة: - فمورد الشاهد فهو الفقرة الثانية من الرواية وليس الفقرة الأولى، فإنَّ الرواية قالت في فقرتها الأولى: - ( قلت له:- الرجل ينام وهو على وضوء أتوجب الخفقة والخفقتان عليه الوضوء؟ فقال:- يا زرارة قد تنام العين ولا ينام القلب والأذن فإذا نامت العين والأذن والقلب وجب الوضوء )، وهذا هو السؤال الأول وليس الشاهد فيه وإنما هو سؤال عن شبهة مفهومية حكمية أو شبهة حكمية محضة، فمرة يعلم زرارة أنَّ الخفقة ليست من النوم ولكن يسأل هل أنها توجب الوضوء أو لا، فإن كان مقصوده هذا المعنى فالشبهة سوف تصير حكمية فقط، لأنه يعلم بأنَّ الخفقة ليست نوماً ولكن لا يعلم أنها ناقضةٌ كالنوم أو لا، أما إذا لم يعلم أنها فردٌ من النوم الناقض أو ليست نوماً فيشك في مصداقيتها لمفهوم النوم الناقض، فهنا سوف يصير السؤال عن شبهةٍ مفهوميةٍ حكمية، فالمفهوم عنده ليس بواضح وبسببه شك في الحكم وأنَّ الخفقة تنقض أو لا تنقض، وإنما مورد الشاهد هو السؤال الثاني وهو قوله:- ( قلت:- فإن حُرِّك إلى جنبه شيء ولا علم به؟ قال: - لا حتى يستقين أنه قد نام حتى يجيء من ذلك أمر بيّن وإلا فإنه على يقين من وضوئه ولا تنقض اليقين ابداً بالشك وإنما تنقضه بيقين آخر )[5] ، والرواية فيها كبرى وصغرى، والصغرى هي قوله عليه السلام:- ( فإنه على يقين من وضوئه )، وأما الكبرى فهي قوله عليه السلام:- ( ولا تنقض اليقين أبداً بالشك )، وهي تدل على حجية الاستصحاب في باب الوضوء جزماً، ولكن كلامنا هو أننا نريد أن نستفيد منها حجية الاستصحاب في مطلق الأبواب لا في خصوص الوضوء، والذي جعلنا نشكك في احتمال اختصاصها بالوضوء أنه عليه السلام قال:- ( وإلا فهو على يقين من وضوئه )، فقيَّد اليقين بالوضوء وهذا يعطي احتمالية اختصاص هذا الاستدلال بباب الوضوء، وبالتالي يكون الاستصحاب حجة في باب الوضوء وليس في جميع الأبواب، فكيف نتغلّب على هذه المشكلة؟


[1] مصباح الأصول، الخوئي، ج3، ص13.
[2] بحوث في علم الأًول، السيد محمود الهاشمي الشاهرودي، ج6، ص68.
[3] جواهر الكلام، الجواهري النجفي، ج16، ص233.
[4] مصباح الفقيه، الحاج رضا الهمداني، ج14، ص397، ط جديدة.
[5] وسائل الشيعة، العاملي، ج1، ص245، أبواب نواقض الوضوء، ب1، ح1، ط آل البيت.