الأستاذ الشيخ باقر الايرواني

بحث الأصول

43/03/24

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع: - الأدلة على حجية الاستصحاب - مبحث الاستصحاب - الأصول العملية.

قلنا إنَّ سند الرواية المذكورة على نقل صاحب الوسائل لا مشكلة فيه، ولكن إذا رجعنا إلى المصدر - وهو التهذيب [1] - نجد الشيخ الطوسي يرويها هكذا:- ( وبهذا الاسناد عن الحسين بن سعيد عن ... )، فهنا قال ( وبهذا الاسناد ) وقوله ( وبهذا ) يقصد السند السابق، فلابد وأن نلاحظ السند السابق، وإذا رجعنا إلى السند السابق وجدناه يقول ( ما أخبرني به الشيخ[2] أيده الله عن أحمد بن محمد بن الحسن عن أبية عن محمد بن الحسن الصفّار عن أحمد بن محمد بن عيسى وعن الحسين بن الحسن بن أبان جميعاً عن الحسين بن سعيد عن محمد بن الفضيل عن أبي الصباح الكناني )، وهذا السند فيه مشكلة من ناحية أحمد بن محمد بن الحسن بن الوليد القمي حيث لا يوجد في حقه توثيق ولكنه من مشايخ الاجازة، فلذلك وقع الاشكال في الأسانيد التي فيها أحمد، فتكون هذه الرواية محل إشكال من هذه الناحية ولابد من التغلب على هذه المشكلة بطريقة ما.

ومن أحد الطرق التي يتغلب بها على هذه المشكلة أن يقال: - إذا كان شيخ الاجازة من المعروفين فمن البعيد أن لا يكون من الثقات، فيحصل الاطمئنان بوثاقته، فإن قبلنا بهذا فبها - وهذا أمر وجداني قد يقبله البعض ويرفضه البعض الآخر - وإلا سوف يصير الطريق محل إشكال.

كما توجد مشكلة ثانية في الرواية: - هي مشكلة الاضمار، فإن زرارة قال ( قلت له:- الرجل ينام وهو على وضوء )، فلا نعرف من هو المسؤول وإنما هو مجمل، فهي مضمرة ويتولد الاشكال آنذاك، ومن هنا انفتح باب حديثٍ وكلامٍ عن المضمرات.

وفي هذا المجال قد يجاب ويقال: - إنَّ زرارة من أجلّة أصحابنا ولا يليق به أن يروي عن غير الامام عليه السلام، فجزماً هو يروي عن الامام عليه السلام.

ويمكن أن يعلَّق ويقال: - إنَّ هذا يتم فيما إذا كان المضمر من أجلة الأصحاب ولا ينفع في مطلق المضمرات، ونحن نريد كلاماً ينفع في جميع المضمرات وهذا لا ينفع في جميعها، مضافاً إلى أنه يتم فيما إذا كانت رواية زرارة هذه في أواخر عمره أو قبيل أواخر عمره، يعني حينما كانت له المكانة العالية والجليلة، ولكن يحتمل أنَّ ذلك كان في أيام شبابه وفي هذه المرحلة لا معنى لأن يقال إنه من أجلة الأصحاب ولا يليق به أن يروي عن غير الثقة، وحيث لا مثبت لكون هذا النقل في أخريات حياته بل من المحتمل أن يكون في أيام شبابه فلا ينفعنا هذا البيان.

ولكن يمكن أن يقال: - إنَّ ظاهرة الاضمار ظاهرة غريبة، ولذلك ترى أنه لو فرض أنَّ شخصاً دخل علينا وقال ( قال لي كذا وكذا ) فإنَّ هذا الكلام غريبٌ منه حيث لم يذكر من هو القائل، فإنَّ ظاهرة الاضمار ظاهرة غريبة وغير صحيحة إلا إذا فرض أنَّ ذلك المضمَر كان شخصاً معروفاً مشهوراً لا يحتاج إلى التصريح باسمه فيكتفى حينئذٍ بالضمير الراجع إليه، وحيث إنه لا يوجد في الأوساط الشيعية شخصٌ له المكانة العالية بحيث لا يحتاج إلى التصريح باسمه إلا الامام عليه السلام فيتعين أن يكون مرجع هذا الضمير إلى الامام عليه السلام، وبناءً على هذا البيان سوف تثبت حجية جميع المضمرات سواء كان الناقل من أجلة الأصحاب أو من غيرهم.

إن قلت: - لعل هذا الناقل يقصد بالاضمار شخصاً معيناً غير الامام عليه السلام وكان ذلك الشخص المعين غير الامام معهوداً بينه وبين الطرف الثاني فاكتفى بذكر الضمير، فإذاً هذا مصحّح للإضمار فيما إذا فرض أنَّ المضمِر كان بينه وبين صاحبه علاقة خاصة وهناك شخصٌ معهودٌ بينهما فيصح حينئذٍ الإضمار بأن يقول أحدهما ( قلت له ) ويقصد بالضمير ذلك الشخص المعهود بينهما الذي هو قد يكون غير الامام عليه السلام، فهذا البيان لا ينفعنا بعد وجود هذا الاحتمال.

قلت: - حيث إنَّ الرواية حينما نقلها الناقل أو سجلها في أصله لم يقصد من خلال ذلك الاحتكار بها على فئة قليلة من الناس وإنما سجلها وذكرها لتستفيد منها الأجيال إلى يوم القيامة، وحيث لا يوجد شخصٌ معهودٌ بهذا الشكل إلا الامام عليه السلام فيثبت بذلك أنَّ مرجع الضمر هو الامام عليه السلام، وهذا بيان يمكن أن نستفيد منه جميع المضمرات من دون تخصيصٍ بأجلَّة الأصحاب. هكذا ينبغي أن يقال في التخلص من مشكلة الإضمار.


[1] تهذيب الأحكام، الطوسي، ج1، ص8، ح11.
[2] أي الشيخ المفيد.