43/03/23
الموضوع: - الأدلة على حجية الاستصحاب - مبحث الاستصحاب - الأصول العملية.
ذكرنا أنَّ الشيخ العراقي(قده) قال إنَّ الفرق بين باب حجية الخبر وبين باب الاستصحاب واضح، ومقصوده هو أنه في باب حجية الخبر تكون رادعية الآيات عن السيرة على العمل بالخبر دورية لأجل لأنَّ الخبر أمارة، والمجعول في باب الأمارة هو العلمية، فالآيات إنما تكون رادعة عن الخبر إذا لم يكن الخبر علماً وإلا كان خارجاً خروجاً موضوعياً عن الآيات، لأنَّ الآيات تنهى عن غير العلم، والمجعول في باب الخبر هو العلمية، فرادعية الآيات موقوفة على كون الخبر غير علم، وعدم كونه علماً موقوف على رادعية الآيات، فصارت رادعية الآيات موقوفة على رادعية الآيات، فالرادعية دوية في باب حجية الخبر.
وهذا بخلافه في مبحث الاستصحاب فإنَّ الرادعية لا يلزم منها الدور، فإنَّ الاستصحاب مجعول حجة من حيث كونه أصلاً لا من حيث كونه أمارة، فعلى هذا الأساس لا يلزم محذور الدور من الرادعية، بل جزماً هو ليس بعلمٍ لأنه ليس من الأمارات حتى لو كان حجة وإلا لكان أمارة، والمفروض أنه ليس بأمارة، فإذاً الآيات تشمل الاستصحاب جزماً، وإذا صارت تشمله صار الاستصحاب مردوعاً عنه بالآيات الرادعة عن غير العلم، قال:- ( وجه الاندفاع ما عرفت من الفرق بين المقام وباب حجية الخبر حيث إنَّ عدم رادعية الآيات هناك إنما هو من جهة قيام السيرة العقلائية على تتميم الكشف واثبات العلم بالواقع الموجب لخروج موردها عن موضوع تلك النواهي، بخلاف المقام فإنَّ بناءهم على الأخذ بالحالة السابقة لا يكون من باب الأمارية وإنما هو من باب الأصلية في ظرف الجهل بالواقع )[1] ، فالمحقق العراقي(قده) حينما قال ( والفرق واضح بين الموردين ) يقصد هذا المعنى.
وهذا شيء لا بأس به ولكن يرد إشكال آخر: - وهو أنه افترض أنَّ الآيات تشمل الاستصحاب لأنه ليس أمارة، ولكن نقول:- نعم هي من هذا الحيث شاملة له ولكنها من حيثٍ آخر ليست شاملة له، لأنَّ الشيخ الخراساني(قده) في الردّ الأول قال هي تنهى عن العمل بالظن وعدم العلم في أصول الدين، فهي ناظرة إلى أصول الدين، وإذا كان الأمر كذلك فلا معنى للتمسك بها في باب الاستصحاب بعد كونها خاصة بالنهي عن أصول الدين، لأنَّ حجية الاستصحاب ليست من مورد أصول الدين، فالآيات الكريمة هي في نفسها وبقطع النظر عن محذور الدور لا تشمل الاستصحاب من باب أنها ناظرة إلى أصول الدين، وعلى هذا الأساس يرد هذا الاشكال على الشيخ الخراساني(قده) لأنه قال لا يمكن اثبات حجية الاستصحاب بالسيرة لرادعية الآيات عن السيرة من دون لزوم محذور الدور، ونحن نقول له إنَّ الآيات ليست رادعة لأنها ناظرة إلى أصول الدين فهي من الأساس ليست شاملة للاستصحاب، فتكون بذلك السيرة على حجية الاستصحاب تامة، إذ الذي يسلب تماميتها وحجيتها هو الآيات الرادعة، ولكن نقول إنَّ الآيات ليست شاملة لها لأنَّ الآيات ناظرة إلى أصول الدين، وعلى هذا الأساس تعود السيرة على حجية الاستصحاب من دون مانعٍ من ثبوت الحجية.
الدليل الثالث على حجية الاستصحاب: - الأخبار.
الرواية الأولى: - صحيحة زرارة: - ( قلت له:- الرجل ينام وهو على وضوء أتوجب الخفقة والخفقتان عليه الوضوء؟ فقال:- يا زرارة قد تنام العين ولا ينام القلب والأذن فإذا نامت العين والأذن والقلب وجب الوضوء، فإن حرّك على جنبه شيء ولم يعلم به؟ قال:- لا حتى يستيقن أنه قد نام حتى يجيء من ذلك أمر بين وإلا فإنه على يقين من وضوئه ولا تنقض اليقين أبداً بالشك وإنما تنقضه بيقين آخر )[2] .
والكلام تارة يقع في السند وأخرى في الدلالة: -
أما من حيث السند: - فتوجد فيه مشكلتان، الأولى هي أنه إذا رجعنا إلى الوسائل وجدناه يقول هكذا: - ( محمد بن الحسن بإسناده عن الحسين بن سعيد عن حماد عن حريز عن زرارة قال: - قلت له )، وعلى هذا النقل لا توجد مشكلة في السند، لأنَّ الشيخ الطوسي ينقل عن الحسين بن سعيد وطرق الشيخ الطوسي إلى الحسين بن سعد معتبرة، ولكن إذا رجعنا إلى مصدر الرواية فلعله يحصل إشكال.