الأستاذ الشيخ باقر الايرواني

بحث الأصول

43/03/19

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع: - الأدلة على حجية الاستصحاب - مبحث الاستصحاب - الأصول العملية.

كما أنَّ السيرة تكون حجة بشرطين، الأوّل أن تكون منعقدة، والثاني الامضاء الشرعي لها، وإلا فهي لوحدها لا عبرة بها، وفي هذا المجال قد يقال: - توجد عندنا الآيات الناهية عن اتباع الظن أو غير العلم، وحيث إنَّ الاستصحاب لا يفيد العلم والسيرة لا تجعله مفيداً للعلم فسوف تصير هذه الروايات أو الآيات رادعة عن العمل بالسيرة، وهذه قضية مهمة يجدر الالتفات إليها.

ولا ينبغي الخلط بين ما ذكرناه قبل قليل وبين ما ذكرناه الآن:- فقبل قليل قلنا إنَّ من يسلّم بالسيرة لا يمكنه التمسك بإطلاق أخبار ( لا تنقض اليقين بالشك ) بعرضه العريض، بل يتمسك بها في حدود السيرة، لأنَّ الأخبار جاءت إمضاءً لما عليه العقلاء، وهذا محذور يرتبط بالتمسك بالأخبار، فإنَّ تمسّكنا بالأخبار حينئذٍ سوف يواجه هذه المشكلة، يعني حينما نتمسك بـ( لا تنقض اليقين بالشك ) لإثبات حجية الاستصحاب سوف نواجه مشكلة وهي أنَّ اطلاق هذه الأخبار سوف يثبت لنا حجية الاستصحاب في دائرة ضيقة وهي موارد وجود المقتضي للشيء في البقاء، لأنَّ الأخبار بقرينة قوله عليه السلام ( فليس ينبغي ) جاءت إمضائية، وأما ما أشرنا الآن فهو ما إذا أردنا أن نتمسك بالسيرة لوحدها بقطع النظر عن الأخبار - فإنا جعلنا الأدلة ثلاثة على حجية الاستصحاب الأول اثباتها للظن وانتهينا منه وقلنا إنَّ طريق مرفوض والثاني هو السيرة يعني بقطع النظر عن الأخبار فإنَّ السيرة لو انعقدت ولا ردع عنها تكون حجة ولا نحتاج إلى الأخبار والثالث هو الأخبار - والذي نريد أن نقوله الآن هو إنه إذا ادّعينا وجود سيرةٍ على العمل بالحالة السابقة فإنَّ شرط حجيتها عدم الردع عنها وربما يقال إنَّ الردع عنها ثابت بواسطة الآيات الناهية عن العمل بالظن وغير العلم فتسقط عن الاعتبار.

ومن هنا وقع الكلام بين الأصوليين في أنَّ الآيات الناهية عن اتباع غير العلم صالحة للردع عن السيرة أو لا.

وقد اختلفت كلمات الشيخ الخراساني(قده) في هذا المجال، ففي بعضها قال نعم هي رادعة، وفي بعضها الآخر بعضها قال لا تصلح أن تكون رادعة، فهو في مبحث الاستصحاب سلّم الردع وقال:- ( ويكفي في الردع عن مثله[1] ما دل من الكتاب والسنة على النهي عن اتباع غير العلم وما دل على البراءة أو الاحتياط في الشبهات )[2] ، ولكنه قال في مبحث حجية الخبر:- ( لأنَّ الردع بها يتوقف على عدم تخصيص عمومها أو تقييد اطلاقها بالسيرة على اعتبار الثقة وهو يتوقف على الردع عنها بها وإلا كانت مخصصِّة أو مقيِّدة لها )[3] .

فإذاً صاحب الكفاية في مبحث حجية الخبر قال إنَّ رادعية الآيات عن السيرة دورية فلا تصلح للرادعية، ولكن في مبحث الاستصحاب لم يذكر مسألة الدور.

إن قلت: - إنّ ذاك المورد هو مبحث حجية الخبر وهو ذكر أنَّ السيرة دورية في مبحث حجية الخبر، أما هنا في مبحث الاستصحاب لم يذكر مسألة الدور لأنهما موردان متغايران وليسا من باب واحد قال فيه مرة أنَّ الرادعية دورية ومرة أخرى قال ليس دورياً؟

قلت: - صحيح أنهما موردان ولكن إذا قبلنا بالرادعية فلابد أن نقبلها في الموردين معاً، وإذا رفضنا فيلزم أن نرفضها في الموردين معاً، واختلاف المورد لا يؤثر في ذلك.

وقال الشيخ النائيني(قده):- إنَّ هذا تهافت من الشيخ الخراساني(قده)[4] ، وسلّم السيد الخوئي(قده) أيضاً بهذا التهافت.

بيد أنَّ الشيخ العراقي(ٌقده)[5] ذكر أنه لا تهافت استغرب من الشيخ النائيني(قده) في اعتقاده بالتهافت.


[1] أي عمل العقلاء على طبق الحالة السابقة.
[2] كفاية الأصول، الآخوند الخراساني، ص، ط مؤسسة آل البيت.
[3] كفاية الأصول، الآخوند الخراساني، ص303.
[4] فوائد الأصول، النائيني، ج4، ص33. أجود التقريرات، الخوئي، ج2، ص35. مصباح الأصول، الخوئي، ج3، ص12.
[5] نهاية الأفكار، العراقي، ج4، ص36.