43/03/05
الموضوع: - مبحث الاستصحاب - الأصول العملية.
وفي مقام التعليق على هذه المحاولة نقول: -
أولاً: - إنَّ هذه المحاولة مبنية على كون منشأ حجية الاستصحاب هو السيرة وليس الأخبار، والحال أنَّ المعروف بين المتأخرين أنَّ منشأ حجيته هو الأخبار، وإذا كان منشأ حجيته الأخبار فهذه المحاولة لا تكون نافعة، لأنَّها مبنية على أنَّ منشأ حجية الاستصحاب هو السيرة ونقول إنَّ السيرة في موارد معاني الألفاظ جرت على سحب المعنى الأسبق لغلبة عدم تغير معاني الألفاظ، ولكن بناءً على كون حجية الاستصحاب ناشئة من الأخبار فلا تأتي هذه المحاولة ويكون المورد من الأصل المثبت.
ثانياً: - لو سلّمنا أنَّ السيرة هي الدليل على حجية الاستصحاب مع الأخبار أيضاً فنقول إنَّ القدر المتيقن من السيرة هو الحالة المتعارفة، وهي ما إذا فرض أنا كنّا نشخّص المعنى السابق ولكن نشك في بقائه فيبنى على بقائه، كما لو فرض أنَّ كلمة الوضوء في زمان النبي صلى الله عليه وآله كان يقصد منها الوضوء المتعارف ونشك هل حصل تغيّر في معناها بعد ذلك في زمان الأئمة عليهم السلام مثلاً أو لا، فهذا شك في تغير المعنى المعيّن المعهود فهنا صحيح السيرة جرت على الحكم ببقاء المعنى السابق ودعوى ثبوت السيرة هنا يكون وجيهاً، وهذا المقدار من السيرة مقبول ومسلّم، وإنما الكلام في أن نفترض أنَّنا لا نعرف المعنى السابق وهو مجهول عندنا ونحن نقوم باستصحابه كما هو في محل كلامنا، إذ المفروض في محل كلامنا أنَّ المعنى السابق كان مجهولاً ونحن نستصحب ذلك المعنى السابق، فنحن لا نعلم أنَّ المعنى السابق لصيغة ( اِفعل ) هي الوجوب أو الاستصحاب أو أصل الطلب، فنحن نستصحب المعنى الثابت على إبهامه وإجماله من دون أن يكون معيّناً، وبعد أن استصحبناه نقول حيث إنَّ الثابت في زماننا هو استفادة الوجوب من صيغة ( اِفعل ) فإذاً ذلك المعنى الثابت سابقاً لصيغة الأمر هو الوجوب، فانعقاد السيرة على هذا النحو محل تأمل وليس بواضح، فإذاً هذه المحاولة ليس تامة.
وبهذا اتضح أنَّ المقدار المسلّم والمقبول من استصحاب القهقرى أو الاستصحاب المتعارف ما إذا فرض أنَّ المعنى كان ثابتاً في عصر النص ونشك في تغيّره في زماننا، ففي مثل هذه الحالة نقول إنَّ ذلك المعنى الثابت سابقاً يجري استصحابه، وهذا قدر متيقن ولا بأس به، أو يحصل اطمئنان بأن الثابت الآن هو ثابت فيما سبق من دون حصول تغيّر، فإذا حصل الاطمئنان فلا بأس به أيضاً، أو ندعي شيئاً ثالثاً وهو أن نقول قد جرت السيرة على أنَّ كل معنىً ثابت الآن ولم تقم قرينة أو قرائن على حصول التغير فيه هو بنفسه كان ثابتاً سابقاً، فنحن ندّعي انعقاد سيرة مستقلة على ثبوت ذلك ولا نحتاج إلى مسألة استصحاب القهقرى، أو ندّعي شيئاً آخر وهو أنَّ الأئمة عليهم السلام قد أمروا بالعمل بالنصوص في كلّ زمان، وهذا يدل بالالتزام على أنَّ أهل كل زمان يأخذون بالمعنى الظاهر في زمانهم وإلا كيف يمكن التمسك بتلك النصوص؟!! فالأئمة عليهم السلام كانوا يأمرون الأصحاب بكتابة الأحاديث ونشر علومهم لجميع الأجيال وهذا يدل بالالتزام أنَّ كل جيل يرجع إلى عصره ويلاحظ المفهوم من النص ما هو فيسير عليه، وعليه فلا نحتاج إلى استصحاب القهقرى وإنما توجد دلالة التزامية مقترنة بالنصوص الصادرة من أئمة أهل البيت عليهم السلام.
أما المطلب الثاني: - فالفارق بين قاعدة اليقين والاستصحاب هو أنه في الاستصحاب يوجد يقين سابق بشيءٍ وشك لاحق في بقائه، وأما في قاعدة اليقين فنفترض أنه يوجد عندنا يقين بحدوث شيءٍ والآن نشك في صحة ذلك اليقين، فالشك في البقاء ليس بموجود وإنما حدث في زمنٍ من الأزمنة يقينٌ بشيءٍ ثم شككنا في صحة ذلك اليقين، كما لو حصل لي اليقين بعدالة زيد في وقتٍ ما وأنا لا أشك في بقاء عدالته ولكن شككت في صحة يقيني السابق وأنه هل كان يقيني السابق صحيحاً أو لا؟، فهنا يأتي تطبيق قاعدة اليقين، يعني ابنِ على يقينك ولا تعر أهمية للشك في صحته ومطابقته للواقع.
والمدرك لقاعدة اليقين هو السيرة، حيث يقال إنَّ السيرة قد جرت على هذا المعنى، فإن من شك في يقينه يبني على يقينه السابق، فإذا سلّمنا بهذه السيرة تمت قاعدة اليقين، أو نستفيد ذلك من بعض النصوص، فإن تم هذا فبها وإلا فسوف تعود هذه القاعدة من دون دليل.