الأستاذ الشيخ باقر الايرواني

بحث الأصول

42/11/12

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع: - التنبيه التاسع ( تعارض الضررين بأنحائه الأخرى ) - تنبيهات قاعدة لا ضرر – شرائط جريان الأصول العملية.

ولكن يمكن أن يقال: - إن قاعدة العدل والانصاف لها مستندان.

الأول: - البناء العقلائي، فإنَّ البناء العقلائي منعقد على أنه لابد في أمثال هذه الحالات من تقسيم الخسارة بشكل منصف وبنحو العدل، ومع وجود هذا البناء العقلائي فلا نحتاج حينئذٍ إلى آية ولا رواية، وحيث إنه لا ردع عنه فيثبت بذلك الامضاء.

الثاني: - بعض الآيات الكريمة من قبيل قوله تعالى :- ﴿ وإذا حكمتم بين الناس أن تحكموا بالعدل ﴾[1] الآية الكريمة ﴿ إنَّ الله يأمر بالعدل والاحسان ﴾[2] ، فالله تعالى يأمر بالعدل يعني يأمر بالتصرف العدل الذي ليس فيه حيف ولا ظلم، فهاتان الآيتان الكريمتان بإطلاقهما تشملان قاعدة العدل والانصاف، فدائماً يكون تقسيم الأرباح بالعدل والانصاف، وهكذا الحال تقسيم الخسارة يكون بالعدل والانصاف وكل تقسيم لابد وأن يكون بالعدل والانصاف، وهنا أيضاً نقول لابد وأن يكون تقسيم الخسارة على صاحب الدابة وصاحب القدر بالعدل والانصاف، أما كيف يصير مصداق العدل والانصاف فهذه قضية ثانية، ولكن لا تكون الخسارة كلّها على أحدهما دون الآخر بل لابد وأن تكون عليهما بنحو العدل والانصاف بمقتضى قاعدة العدل والانصاف، فإذاً التمسّك بهذه القاعدة تام.

ولكن مصداق العدل والانصاف ما هو؟ فالكلام ليس في الكبرى، يعني لابد أن يكون السير والتقسيم دائماً بمقتضى العدل والانصاف فإنَّ هذه الكبرى لابد أن تكون مسلّمة، وإنما الكلام في صغراها، وصاحب المدّعى في الاحتمال الثاني قال تقسّم الخسارة عليهما بالسويَّة، ونحن نقول إنَّ التقسيم بالسوية ليس هو دائماً مقتضى العدل والانصاف، بل لابد من ملاحظ النسبة، فمثلاً لو كان عندي تسعة وتسعين ديناراً وعندك ديناراً واحداً وقد وضعت دينارك مع دنانيري فاختلط معها بحيث لم يتميز، ثم تبيّن أنَّ أحد الدنانير قد سرقه اللص، فمقتضى قاعدة العدل الانصاف أن تكون الخسارة بالنسبة، فهذا الدينار التالف يُقسَّم بالنسبة على الطرفين، فالذي عنده تسعة وتسعين ديناراً مقتضى قاعدة العدل والانصاف أن يخسر تسعة وتسعين جزءاً من الدينار الواحد المسروق، أما الذي يملك الدينار الواحد سوف يخسر جزءاً واحداً من الدينار، وليس مقتضى العدل والانصاف أن تكون خسارة نصفه على صاحب التسعة والتسعين ديناراً وخسارة نصفه الآخر على صاحب الدينار الواحد، فنحن سلّمنا بكبرى قاعدة العدل والانصاف ولكن مصداقها في مقام التقسيم هو ما أشرنا إليه، وهكذا الحال في مقامنا، فالدابة حينما أدخلت رأسها في القدر وحصل بذلك خسارة فليس مقتضى العدل والانصاف أن نقسّم الخسارة إلى نصفين نصف على صاحب الدابة ونصف على صاحب القدر، بل لابد من ملاحظة قيمة الدابة وقيمة القدر ثم نوزع الخسارة بالنسبة.


[1] النساء/السورة4، الآية75.
[2] النحل/السورة16، الآية90.